السياحة الداخلية بين تأزم المقاولة و واجب المقاومة
بعد تصدر المغرب للتصنيف الإفريقي على مستوى القطاع السياحي في العقد الأخير، وازاحة جنوب افريقيا التي تسيدت الترتيب لزمن طويل، ودخول البلد في تصنيف الدول التنافسية و الصاعدة في المجال السياحي بفضل الاستراتيجية الممنهجة التي حققت 13 مليون سائح سنة 2019، بمداخيل بلغت 78,6 مليار درهم اي حوالي 8 مليار دولار من العملة الصعبة، و بالرغم من كون هذا النجاح غير مكتمل لأن المغرب قد حدد في بداية 2010 هدفا يتمثل في استقبال 20 مليون سائح سنة 2020، لكنه فشل في ذلك لأسباب متعددة لا تختلف عن أسباب الإخفاق في الظفر بتنظيم كأس العالم لأكثر من مرة، و على العموم لم ينتقص كل ذلك من تربع المغرب على عرش السياحة الإفريقية و التي لم تعد أصلا مقياسا للتنافسية، نظرا لما يزخر به المغرب من مميزات طبيعية تؤهله لهذه الريادة.
وفي خضم هذا التنافس الظاهر الخفي، تغيرت المعطيات و الاهتمامات بعد جائحة كورونا و صدور مرسوم قانون رقم 292.20.2 الصادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020 ) و المرسوم رقم 293.20.2 الصادر في 29 من رجب 1441( 24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، تلتها مجموعة من الاجراءات سواء أثناء أو بعد فرض الحجر الصحي من بينها: غلق الحدود و تشديد اجراءات التنقل مع سن قواعد التباعد الاجتماعي تحت طائلة الزجر القانوني بموجب الفصل 4 من المرسوم السالف الذكر، ثم رفع الحجر الصحي تدريجيا مع الإبقاء على حالة الطوارئ و تقسيم المناطق الى صنفين 1 و 2، وغيرها من التدابير التي تمس جوهر الأنشطة السياحية، لعل آخرها ما قررته الحكومة بالمرور إلى المرحلة الثالثة من مخطط تخفيف الحجر الصحي، و الترخيص بملأ الفنادق 100% من طاقتها الايوائية دون تجاوز 50% في فضاءاتها المشتركة، وفي نفس الوقت حث المواطنين على عدم السفر إلا للضرورة القصوى، ثم توجيه حكومي اخر بضرورة السفر داخليا في اطار تشجيع السياحة الوطنية. ما شكل حيرة لأرباب المقاولات السياحية و للمواطن نفسه لازدواجية الخطاب الحكومي و تناقض التوجه، ما يوحي بضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة في ظرفية استثنائية تفرض الرزانة و الحنكة لإخراج القطاع السياحي من الوحل وضبط التوازنات الماكرو اقتصادية المرتبطة بالقطاع.
و إذا كان الرأسمال جبان كما هو متداول في عالم الاقتصاد بمعنى أنه لا يدخل لمكان يجد فيه مجموعة من التناقضات، تنضاف إلى إرهاصات و تداعيات جائحة كورونا على القناعة الوجدانية للمستثمر في المغامرة برأسماله في ظروف استثنائية لا يتوقع امتداد اجالها الزمني و غير مؤمنة. فإن مثل هاته التدابير و القرارات المتنافرة تزيد من معاناة المقاولة السياحية، تنضاف إلى تشريعات قديمة تعرقل النشاط السياحي ، و تنذر بأزمة يمكن تجنبها أو على الأقل مقاومتها بتبصر و بتفعيل الحكامة الجيدة، إذ لا يمكن تشجيع المواطنين على السياحة الداخلية و في نفس الوقت حثهم على عدم السفر إلا للضرورة.
و الحديث عن المقاومة أو الإنقاذ في الميدان السياحي له امتداد و ارتباط بعدة مجالات تدخل في منظومة الصناعة السياحية و الخدمات المرتبطة بها، حيث لوحظ مؤخرا خطورة نفاذ العملة الصعبة و أزمة النقل بجميع انواعه البري و الجوي و البحري، ثم التوقف شبه كلي لقطاع الخدمات السياحية من فنادق و وكالات الأسفار و كراء السيارات بالإضافة إلى تضرر عدة حرف مرتبطة بالميدان. و لاشك ان الآثار الاقتصادية و الاجتماعية الناجمة عن ذلك تلزم الدولة بوضع استراتيجيات محكمة تخفف من تأزم الوضع، و تمنح للمقاولة السياحية كل الإمكانيات اللازمة لمقاومة خطر الإفلاس مع تفعيل مسطرة الإنقاذ التي جاء بها المشرع من خلال القانون رقم 73.17 الصادر في 23 أبريل 2018 كإجراء وقائي لتفادي توقف المقاولة عن دفع الديون، و لتطوير آليات الرصد المبكر للصعوبات التي تعترضها. والحال أن هذه المسطرة إرادية تتوقف على تقديم طلب من المقاول لفتحها دون غيره، مما سيعطل اللجوء إليها كون أغلب المقاولات السياحية لا تتوفر على مستشار قانوني، و أن المقاول في وضع لا يحسد عليه، قد يقاوم اندحار مقاولته بتسريح العمال و تخفيض الأجور و قد يصل الوضع الى إغلاق المقاولة كليا، ليبقى وضع السياحة في المغرب مرهونا بالإجراءات الاستباقية للأجهزة المعنية حفاظا على الريادة القارية، و إنقاذ الشركات السياحية من السكتة القلبية.
الكاتب: عبد الحكيم أبراغ
التعاليق (0)