هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه أكادير 24.

“فكها يا من وحلتها”.. حين غرق النظام الجزائري في مستنقع تندوف

كُتّاب وآراء

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

لا يمكن لأي متابع منصف أن يتجاهل أن النظام الجزائري يعيش اليوم أزمة صنعها بنفسه، وربما تكون تندوف أبرز تجلياتها وأكثرها إحراجًا له أمام العالم. فمنذ أن قرر هذا النظام أن يجعل من “قضية الصحراء” حصان طروادة لمعاداة المغرب، وهو ينسج أوهامًا متراكمة، حتى وجد نفسه غارقًا في مستنقعٍ لا مخرج منه إلا بالاعتراف بالخطأ.
لكن الاعتراف ليس من خصال الأنظمة التي بُنيت على الأكاذيب.

  • تندوف.. الأرض التي جُمِع فيها المرتزقة

تندوف لم تعد منذ زمن أرضًا لصحراويين يبحثون عن مصيرٍ أو هوية، بل صارت مستودعًا بشريًا للمرتزقة، من كل الجنسيات والانتماءات.
هناك بقايا مرتزقة القذافي الذين لفظتهم ليبيا بعد سقوطه، وبقايا ميليشيات الأسد الذين تفرّقوا بعد دمار سوريا، ومجموعات من تجار السلاح والبشر الذين وجدوا في الرمال المترامية موطئًا آمنًا لتجارةٍ قذرة لا تخضع لقانون ولا رقابة.
تحوّلت المخيمات إلى سوق سوداء للولاءات، وإلى مسرح تتحرك فيه أجهزة المخابرات الجزائرية، تدير المرتزقة كما يدير التاجر سلعته، تشتريهم وتبيعهم بحسب المزاج السياسي والمصلحة الظرفية. كل شيء هناك قابل للبيع: الشعار، الخطاب، وحتى الإنسان نفسه.

  • من شعارات التحرر إلى صناعة الإرهاب

حين رفعت الجزائر في السبعينيات شعار “حق تقرير المصير”، كانت تدّعي النبل الثوري، لكنها في الواقع كانت تؤسس لمشروع سياسي خبيث هدفه إضعاف المغرب وابتزاز المنطقة. ومع مرور الوقت، تحوّل الشعار إلى غطاء لتمويل ميليشيات لا تمتّ للتحرر بصلة.
اليوم، لم تعد تندوف مخيمًا إنسانيًا، بل صارت مختبرًا لتوليد التطرف وتهريب السلاح. كثير من التقارير الأمنية والإقليمية تحدثت عن ارتباط عناصر من البوليساريو بشبكات الإرهاب في الساحل والصحراء. ومن المفارقات المؤلمة أن الجزائر التي تقدم نفسها كـ”دولة محاربة للإرهاب”، تحتضن في عمقها واحدة من أخطر بؤره.

  • الصحراويون الحقيقيون اختاروا الوطن

الحقيقة التي يحاول النظام الجزائري طمسها هي أن الصحراويين الحقيقيين عادوا إلى وطنهم. المغرب اليوم لم يعد بلد الشعارات بل بلد الفعل، بلد بنى في العيون والداخلة ما لم تبنه الجزائر في جنوبها منذ الاستقلال.
هناك تنمية، استثمار، استقرار، ومواطنة كاملة. وفي المقابل، هناك تندوف: العزلة، القهر، والارتزاق.
لقد سقطت الأسطورة، وبقيت الجزائر عالقة في حلمٍ متآكل لا يصدّقه أحد غيرها.
أما القلة القليلة من الصحراويين الذين لا يزالون في تندوف، فهم لا يمكثون هناك إلا لأنهم محتجزون وممنوعون من حرية التنقل. وما إن يُرفع عنهم الحصار، حتى يلتحقوا بوطنهم الأم، المغرب، حيث الكرامة والحياة الحرة الكريمة في ظل التنمية والمواطنة الحقيقية.

  • النظام الجزائري.. عالق في الوهم

النظام الجزائري يواصل العيش في حالة إنكارٍ مزمنة. يصوّر نفسه حامي الشعوب، وهو في الحقيقة عاجز عن حماية لقمة خبز لمواطنيه. يصرف المليارات على كيانٍ وهمي يعيش على المساعدات، بينما الشباب الجزائري يهاجر في قوارب الموت.
تندوف لم تعد ورقة ضغط على المغرب، بل أصبحت عبئًا داخليًا على الجزائر نفسها. إنها كالجمر الذي أحرق اليد التي أشعلته.

  • “فكها يا من وحلتها”

المثل الشعبي لا يخيب: “فكها يا من وحلتها”. لقد صنع النظام الجزائري أزمةً ستطارده ما بقي. حاول أن يستخدم المرتزقة أداة سياسية، فتحولوا إلى عبءٍ أمني. حاول أن يخلق “قضية”، فانتهى إلى خلق كيانٍ بلا قضية. حاول أن يفرض واقعًا، فانقلب الواقع عليه.
أما الصحراويون الحقيقيون، فقد تجاوزوه، وعادوا إلى حضن وطنٍ يعرفهم ويمنحهم كرامة العيش لا شعارات الموت.
تندوف اليوم ليست سوى مرآةٍ تكشف زيف الخطاب الجزائري، وتفضح عقودًا من التضليل. إنها جرحٌ مفتوح في خاصرة نظامٍ فقد البوصلة، وسيظل يردد أكاذيبه حتى يسمع صدى صوته فقط، بعدما صمّ العالم عن خطابٍ لا يقنع أحدًا.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً