هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه أكادير 24.

العزوف الانتخابي : ناقوس خطر منذر بفراغ سياسي ½

كُتّاب وآراء


العزوف من التصويت في الانتخابات والاستفتاءات أصبح من الظواهر المسيئة للعملية الانتخابية مما يشكل تهديدا للنظام الديموقراطي التمثيلي الذي يقوم على أساس مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، ولقيت ظاهرة العزوف اهتماما واسعا من قبل الفاعلين السياسيين والحقوقيين ومن المفكرين والباحثين في السوسيولوجيا السياسية لدراسة اسبابها ونتائجها والحلول المناسبة لكبحها ومعالجتها لأنها باتت تشكل مشكلة مستعصية للقوى وللأنظمة السياسية الديموقراطية وتؤثر سلبا على الحياة السياسية لأنها تؤدي الى نفور المواطنين من العملية الانتخابية مما يزيد من احتمالات انتشار البنى الفاسدة والاستبداد .
الانتخابات هي الركن الأساسي في الأنظمة الديموقراطية وتعتبر بكل انواعها مناسبة للمواطنين للمشاركة في الحياة السياسية وفرصة لتحقيق التطلعات والطموحات …لكن تبقى الانتخابات بلا معنى في حالة عزوف الناخبين أو امتناعهم عن التصويت مما يفقدها مصداقيتها بسبب ضعف المشاركة السياسية التي تعد جوهر الديموقراطية وأساسها المتين.
وعلى غرار العديد من الدول الديموقراطية عرفت المشاركة في العمليات الانتخابية في المغرب تراجعا ملحوظا وواسعا سواء في الانتخابات التشريعية أو الجماعية أو المهنية وسجلت النسب فيها مستويات متدنية بل ومثيرة للشك والارتياب مما يطرح تساؤلات محيرة ومحرقة عن أسباب عزوف الناخبين على التصويت.
كما أن التراجع المستمر للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية من تجربة الى أخرى يطرح أكثر من فرضية واكثر من استفهام لا من حيث نسبة مشاركة الناخبين أو من حيث نتائج الأحزاب السياسية وسيكون من العبث والتسرع في القراءة والاستنتاج اتهام الأحزاب السياسية لوحدها بالمسؤولية عن تدني نسبة المشاركة في الانتخابات.
واستحضارا للطقوس المصاحبة للتجارب الانتخابية السابقة نلاحظ مدى كثافة الأنشطة والبرامج الخاصة لدعوة الناخبين والشباب (خاصة) بالمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية وكانت الحملات الدعائية هذه تسبق العمليات الانتخابية في توظيف كل وسائل الاعلام الرسمية أو الحزبية أو المستقلة ووسائل التواصل الجديدة وصولا الى الاستعمال المكثف للافتات والاعلانات والشاشات الالكترونية المشجعة على التصويت الى حد مضايقتها لعين المتجول في الأماكن ذات الارتياد الشعبي، اضافة الى تجنيد الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ومعهم رجال السلطة من مقدمين وشيوخ وقواد لتحفيز الناخبين على التوجه الى صناديق الاقتراع… لكن رغم كل هذه الحملات الدعائية تبقى نسب المقاطعة تتعاظم وتزداد تدنيا لتساءل الطبقة السياسية والمجتمع السياسي ككل !!!
هذا الواقع البئيس والمهين للمشاركة في الانتخابات وفي العملية السياسية يدفعنا من أجل تلمس اجابات شافية عن أسباب هذا العزوف في المشاركة، وعليه طرح الكثير من الباحثين في السوسيولوجيا السياسية فرضيات عديدة منها:
الفرضية الأولى وهي الصورة الباهتة بل المقززة لمؤسسة البرلمان في ذهنية الناخب المغربي بفئاته وقواه الاجتماعية المختلفة سواء في البوادي أو الحواضر وبالتالي هيمنة واستمرار الصورة السيئة والباهتة للعمل البرلماني في ذهنية المغاربة.
الفرضية الثانية وهي ضيق أو ضبابية الأفق السياسي لذى غالبية الأحزاب الوطنية سواء تلك التي ناضلت سابقا من أجل الحرية والاستقلال أو التي ناضلت بعدها من أجل الديموقراطية وقيام دولة القانون والمؤسسات أو التي ولدت من الانشقاقات ومن المصالح الفئوية مع انعدام الثقة والأمل في الأحزاب السياسية عامة !!
الفرضية الثالثة وهي التسويق الرديء للحملات الانتخابية من طرف كل الأحزاب وبدون استثناء وكأن الانتخابات في نظرها هو موسم لجني ثمار المصالح الذاتية او بورصة لتداول الأوراق الانتخابية – عفوا- الاوراق المالية (المال السياسي الفاسد ).
الفرضية الرابعة وهي الفشل الذريع للتجربة الجماعية ومساهمتها في انتاج نخب فاسدة وانتهازية حيث الصورة السيئة للجماعات المحلية متكاملة مع الصورة الباهتة لمؤسسة البرلمان بغرفتيه في الوجدان السياسي المغربي.
الفرضية الخامسة وهي استمرار مناهضي التجربة الديموقراطية – الانتخابية من اليسار الجذري ومن سايرهم من التيارات المتشددة في التعبئة الشعبية والدفاع عن مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية وخصوصا التشريعية.
الفرضية السادسة وهي أن ضعف المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية مؤشر على تدني المكانة والقيمة السياسية والاجتماعية للأحزاب وتراجع حيز تأثيرها وجاذبيتها وقدرتها على تأطير وتوجيه الرأي العام قيما ومواقف وممارسات.
هذه الفرضيات أو غيرها تؤشر على العزوف الصارخ عن المشاركة في الانتخابات تصويتا وتنظيما مما ينذر بفراغ سياسي تتسع دوائره باستمرار.
فاذا كانت انتخابات 17 ماي 1963 وهي أول انتخابات في التاريخ السياسي المغربي قد عرفت نسبة مشاركة شعبية تقدر ب 72.60 %، جاءت انتخابات 1977 ووصلت المشاركة الى حدود 82.36 %، وفي انتخابات 1993 حققت نسبة المشاركة 62.75 % ثم بعدها بدأت نسبة المشاركة في الانتخابات اللاحقة تعرف تدنيا متواصلا .. ففي انتخابات 1997 لم تشكل المشاركة فيها سوى نسبة 58 % وفي انتخابات 2002 لم تتجاوز نسبة المشاركة 51 %، وفي 2007 والتي عرفت انتخاباتها مشاركة واسعة للأحزاب( 33 حزبا سياسيا و13 قائمة مستقلة) ومع ذلك لم تتعد نسبة المشاركة فيها 37 % (وهي الادنى في تاريخ الانتخابات) ..ثم استمرت في التدني والعزوف حتى جاءت الانتخابات التشريعية ليوم 08 شتنبر 2021 ووصلت نسبة المشاركة فيها الى 50.35%.
هذا التراجع المستمر في المشاركة الانتخابية من تجربة الى أخرى يطرح أكثر من استفهام ويدق ناقوس خطر منذر بفراغ سياسي حتى أنه تسود مسلمة لذى الراي العام بأن نسبة المشاركة في الانتخابات حتى ولو كانت مكثفة وعالية فلن تغير شيئا من جاذبية المؤسسات المنتخبة !!
وتعكس نتائج هذه الانتخابات حجم الأحزاب السياسية الحقيقية كما تعكس الصورة الحقيقية للمشاركة السياسية وأنماط السلوك الانتخابي وهو الشيء الذي يجب قراءته بهدوء وروية لفهم ظاهرة العزوف والامتناع عن التصويت سواء المعبر عنه بالورقة الملغاة أو المعبر عنه بموقف الامتناع عن التصويت.
العزوف الانتخابي بالامتناع والامساك والاحجام عن التصويت بدافع شعور اللامبالاة والفتور ازاء ما يدور داخل الحياة السياسية في غياب موانع قانونية قد يكون نتيجة غياب المصلحة والمنفعة في الشأن السياسي مما يعني ان الممتنعين لا يقاطعون الانتخابات لمجرد مقاطعتها وانما لأن طموحاتهم لا تتناسب وتتوافق مع الوضع الاجتماعي والسياسي القائم.
والفئة الثانية من العازفين عن التصويت وهم غير المسجلين في القوائم الانتخابية والمشرع جعل التسجيل في القوائم الانتخابية اختياريا وليس الزاميا وهذا الواجب يبقى في اطار الطواعية ورغبة الناخب في ممارسة حقه في التصويت وهنا يطرح التساؤل هل يمكن اعتبار عدم التسجيل في اللوائح الانتخابية امتناعا عن التصويت؟ هذا الفعل اذا كان باختياره ودون تعرضه للضغط أو الاكراه أو ربما بسبب الاهمال واللامبالاة اعتقادا منه بعدم نزاهة عملية التصويت؟؟ أو ان صوته يراه أنه ليس له تأثير في العملية الانتخابية (زايد ناقص بحال بحال … كلهم اولاد عبد الواحد ؟؟؟)
والفئة الثالثة هم الذين يشاركون في العملية الانتخابية ولكن عبر افساد ورقة التصويت أو ما يسمى بالورقة الملغاة وهو تعبير عن الامتناع عن التصويت من طرف الناخب. والناخب في هذه الحالة يشارك في الانتخابات لكنه يتعمد اتلاف ورقة التصويت احتجاجا منه على العلمية الانتخابية وعدم رضاه من المترشحين وعليه يمكن القول أن العزوف بهذا المعنى يعني مقاطعة السياسيين لا مقاطعة السياسة ومقاطعة الشروط والتدابير الخاصة بالعملية الانتخابية لا مقاطعة مبدأ الانتخابات.
محمد بادرة

التعاليق (0)

اترك تعليقاً