المحبِط، والانفصالي، والمرتزِق… ثلاثية تفتك بروح الوطن

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في كل وطن، هناك من يذود عنه بالكلمة والعمل، وهناك من يطعنه بالصمت أو بالسخرية أو بالخذلان.
ما يوجع أكثر من العدوّ هو أن ترى من أبناء وطنك من يُضعف الإيمان به، كلٌّ بطريقته: المحبِط، والانفصالي، والمرتزِق.
هذه الأنماط ليست متشابهة في الشكل، لكنها تتقاطع في الهدف غير المعلن: إضعاف الوطن من الداخل.

  • المحبِط: حين يكون الخذلان في موقع القرار

أخطر أنواع الإحباط ليس ذلك الذي يسكن المواطن البسيط حين تضيق به الحياة، بل ذلك الذي يصدر عن مسؤول أو صاحب نفوذ.
ذلك الذي يقصده المواطن أو الفاعل الجمعوي بحُلمٍ أو مبادرة، فيُقابَل بعبارةٍ قاتلة مثل :
“الوطن لا يحتاجك، لديه مؤسساته تدافع عنه.”
تلك الجملة وحدها كفيلةٌ بوأد ألف مبادرة، وإخماد مئات الطاقات.
إنه محبِط لا لأنه محبط في ذاته، بل لأنه يُحبط الآخرين.
هو مسؤول يرى في الحماس الشعبي تهديدًا، وفي العمل المدني مزاحمة، وفي الحب الصادق للوطن مجرد ضجيج.
لكنّ المحبِطين ليسوا نوعًا واحدًا.
فمنهم من يطفئ الحلم بسلطته، ومنهم من يقتل الأمل بعبارته الجاهزة حين يسمع مواطنًا يطالب بحقه فيقول له ببرودٍ مؤلم:
“سِيرْ للرِّباط شْكِي…”
كأن العدالة لا تسكن إلا في العاصمة، وكأن المواطن لا يُسمَع له صوت إلا إن قطع مئات الكيلومترات!
هؤلاء أيضًا محبِطون، لأنهم يربّون في الناس شعورًا بالعجز، ويُعمّمون الإحساس بأن الإنصاف بعيدٌ عن متناول اليد.
المحبِط بهذا المعنى لا يُواجه بالسخط فقط، بل بإعادة الاعتبار لقيمة المشاركة، فالوطن لا تحميه مؤسساته وحدها، بل يحميه مواطنوه المؤمنون به.
المؤسسات أدوات، أما الروح فمصدرها الناس.

  • الانفصالي: مشروع تمزيق باسم الهوية

الانفصالي لا يختلف كثيرًا عن المحبِط في النتيجة، لكنه يختلف في الدافع.
هو لا يُطفئ الحماس، بل يوجّهه نحو هدم الوحدة الوطنية.
يتغذّى على المظلومية، ويحوّل التنوع الطبيعي إلى خلاف وجودي.
يُقسم الوطن إلى “نحن” و”هم”، ويزرع بين أبناء الأرض الواحدة شعورًا بالريبة بدل الانتماء.
خطورة الانفصالي أنه يستخدم لغة العدل ليزرع الفتنة، ويستغل أخطاء السلطة لتبرير خيانته للوحدة.
وإن كانت مواجهة المحبِط تحتاج وعيًا إداريًا، فإن مواجهة الانفصالي تحتاج مشروعًا وطنيًا جامعًا يعترف بالاختلاف دون أن يسمح له بتمزيق الكيان.

  • المرتزِق: بائع الأوطان على أرصفة المصالح

أما المرتزِق، فقصته أبسط وأقذر.
هو لا يحمل قضية ولا إحباطًا ولا حلمًا، بل يعبد المصلحة.
يبيع كلماته ومواقفه لمن يدفع أكثر، يلبس ثوب الوطنية في النهار، ويقبض الثمن في الليل.
المرتزِق لا يوجعه الوطن ولا يهمّه مستقبله، لأن انتماءه مؤقت كعقدٍ منتهي الصلاحية.
هذا النوع لا يُقنعه الحوار ولا يجذبه الإيمان، بل يُردع فقط بالقانون والمحاسبة.
فكل وطن يُسامح أبناءه الغاضبين، لكنه لا يُسامح من باعه عمدًا.

  • ثلاثتهم في وجه الوطن

المحبِط يُطفئ الأمل،
الانفصالي يُمزّق الهوية،
والمرتزِق يبيع السيادة.

إنهم أعداء غير معلَنين، لأنهم لا يحملون سلاحًا، بل كلمات ومواقف وسلوكًا يقتل الحلم ببطء.
الوطن لا يُصاب بالهزيمة عندما يتآمر عليه الآخرون، بل حين يتواطأ عليه صمته الداخلي.

  • خاتمة: دعوا الوطن يتنفّس بأبنائه

وفي الختام، أوجّه كلامي لهؤلاء المحبِطين ( في مواقع القرار أو خلف المكاتب أو في زوايا اللامبالاة ) وأقول لهم:
ارحموا الوطن.
ارحموا أحلام الناس الصغيرة، لأنها هي التي تصنع الأوطان الكبيرة.
كل كلمة تستهين بمواطن، كل لامبالاة تُطفئ طموحًا، هي مسمار في نعش الأمل.
فلنحذر أن نكون، بوعيٍ أو بغيره، جزءًا من هذا الثالوث الذي ينهش روح الوطن:
المحبِط، والانفصالي، و المرتزِق.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فشل التحقق من الترخيص - هذا القالب غير مرخص