حين تصبح الأسماك شماعة للأزمات: هل حقًا تهرب من الجفاف؟

Ministre de lAgriculture كُتّاب وآراء

أثار تصريح وزير الفلاحة، أحمد البواري، بشأن أسباب ارتفاع أسعار السمك في الأسواق المغربية جدلًا واسعًا بعدما أرجع الأزمة إلى “الجفاف وقلة الأمطار في البحر”، معتبرًا أن “الأسماك تهرب”.

هذا التفسير غير المألوف فتح باب التساؤلات حول مدى دقته، ومدى ارتباطه بالواقع الاقتصادي والبيئي، خاصة مع استمرار ارتفاع الأسعار وتأثيره المباشر على القدرة الشرائية للمواطنين.

عادة ما يرتبط الجفاف بالمناطق البرية حيث يؤدي نقص الأمطار إلى تراجع الموارد المائية والزراعية، لكن الإشارة إلى تأثيره على البحر تطرح إشكالًا علميًا يستدعي تفسيرًا دقيقًا.

 فالبحار والمحيطات تخضع لعوامل بيئية معقدة تشمل التيارات البحرية، درجات الحرارة، والتغيرات المناخية، مما يجعل من الصعب تقبل فكرة “هروب الأسماك” كسبب رئيسي لارتفاع الأسعار.

فهل كان الوزير يشير إلى تأثيرات التغير المناخي على المخزون السمكي؟ أم أن التصريح جاء في سياق تبرير ظرفي دون مراعاة انعكاساته على الرأي العام؟

ارتفاع أسعار السمك ليس حالة استثنائية بل يأتي في سياق موجة غلاء شملت العديد من المواد الغذائية، ما يعكس خللًا في تدبير الأسواق وتوزيع الموارد.

فبين تصدير كميات كبيرة من الأسماك دون مراعاة حاجة السوق الداخلية، وغياب رقابة صارمة على المضاربات، يجد المواطن نفسه المتضرر الأكبر من هذه الأزمة التي تتفاقم عامًا بعد آخر.

التبريرات الرسمية بدل أن تقدم حلولًا حقيقية، تزيد من حالة الإحباط الشعبي، إذ يشعر المواطن بأن المسؤولين غير متصلين بالواقع المعيشي الذي يعيشه يوميًا.

في ظل هذه الأزمة، كان من الأجدى التركيز على سياسات واقعية لضبط الأسعار وتعزيز الأمن الغذائي، بدل تقديم تفسيرات تزيد من السخط العام.

 فالمواطن المغربي ينتظر إجراءات ملموسة، مثل تعزيز الرقابة على قطاع الصيد البحري للحد من الاستغلال المفرط، وتشجيع مشاريع الاستزراع السمكي لتخفيف الضغط على المصايد الطبيعية، وإعادة النظر في سياسات التصدير لضمان توازن العرض بين السوقين المحلي والدولي، فضلًا عن ضرورة حماية البيئة البحرية من التلوث وتنظيم أنشطة الصيد الجائر.

التصريحات الحكومية حول الأوضاع الاقتصادية يجب أن تكون مبنية على معطيات دقيقة، لأن أي تبرير غير منطقي لا يؤدي سوى إلى فقدان الثقة بين المواطن والمسؤول. فإذا كانت الأسماك “تهرب”، فمن المسؤول الحقيقي عن ذلك؟ إن تحميل الأزمات لظروف طبيعية عوض الاعتراف بأخطاء التدبير لن يقنع المواطن المغربي الذي بات أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين المبررات الواهية والحلول الجادة، وفي هذه الحالة، يبدو أن المسؤولية لا تقتصر على البحر، بل تمتد إلى من يدبر شؤونه الاقتصادية!

التعاليق (0)

اترك تعليقاً