أشهر صالون بأبسط أثاث لرئيس حكومة

ghamaze كُتّاب وآراء

نصف مليون مشاهدة في يوم واحد، ومليون مشاهدة في ثلاثة أيام، والرقم ما زال في تصاعد مستمر. هذه ليست أرقام حفل غنائي، ولا تظاهرة رياضية. فعادة ما تكون الأرقام المليونية في وسائل التواصل الاجتماعي، مرتبطة بحدث كروي، أو نجاح فني. لكن هذا الرقم الكبير في المشاهدات، هو ما حققته الخرجة الأخيرة للأستاذ عبد الإله لبنكيران الرئيس الأسبق للحكومة. المقابلة كانت في زاوية من الصالون المعلوم، وفوق الأثاث المغربي الذي يحمل علامة “صنع في المغرب”. وبذلك استحق هذا المكان لقب “أشهر صالون لرئيس حكومة”

الخروج السياسي في وسائل التواصل الاجتماعي، له ضوابطه الخاصة، والبعيدة كل البعد عن ضوابط عالم الفن والرياضة. لكن حين يحقق زعيم سياسي أرقاما تضاهي نجوم الرياضة والفن، فهذا يستدعي طرح أكثر من سؤال، ويقتضي الكثير من التفكير، لفك سر شفرة هذه النسبة من المشاهدات في خرجة تنتمي لعالم السياسة. علما أن الأرقام لا تكذب في وسائل التواصل الاجتماعي التي تتميز بالشفافية

وقت كتابة هذه الأسطر، تجاوزت خرجة الأستاذ بنكيران، عتبة المليون و200 ألف مشاهدة على قناة الصحفي حميد المهدوي. منطق العمل الحزبي والممارسة السياسية، تقتضي أن يحقق هذه الأرقام السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش. فهو من يسير الأغلبية، وهو من يتحكم في السياسات العمومية وفي المالية العمومية. ومن الطبيعي أن يكون المواطنون متلهفون للإنصات لخرجات السيد رئيس الحكومة، وحتى لوزرائه، لمعرفة كيف سيكون حال النقود التي تسكن جيوبهم، بعد أداء مصاريف التعليم والصحة، وكيف سيكون حال القفة بعد الخروج من باب السوق. فالسياسة العمومية التي تنهجها الحكومة، هي التي تحدد هل سيبقى في الجيب بعض النقود، أم أن المواطن سيبحث عن الاستدانة، أو العيش في ضيق الحاجة

الممارسة السياسية الخاضعة للمنطق، تقول كذلك، إن خرجات زعماء المعارضة، كيفما كانت ومهما بلغت من حدة في الانتقاد، لا يجب أن تتفوق على خرجات السيد رئيس الحكومة. لأن سياسته تتحكم في جيوب المواطنين، والمعارضة ليست سوى سلطة مراقبة العمل الحكومي. وبلغة الأرقام فالمعارضة تعكس الأقلية، والحكومة تعكس الأغلبية. ومن المنطق أن تحقق خرجات السيد رئيس الحكومة نسبة مشاهدات تفوق نسبة مشاهدات أي زعيم في المعارضة

لكن ما حدث مع الخرجة الأخيرة للأستاذ عبد الإله بنكيران، لا يخضع لهذا المنطق. فالخرجة الأخيرة للسيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش في قناة مدار21، حصدت فقط 252 ألف مشاهدة، و3500 إعجاب فقط، وألف تعليق، بعد أكثر من ثلاثة أشهر. رغم أنها جرجة جاءت بعد حدث كبير وعرف متابعة كبيرة هو التعديل الحكومي. فيما خرجة الأستاذ بنكيران، رغم أنها خرجة تمت في ظرف عادي، وغير مرتبطة بأي حدث يعرف متابعة كبيرة، حققت في اليوم الأول، أكثر من نصف مليون مشاهدة، و22 ألف إعجاب، وأكثر من أربعة آلاف تعليق، والأرقام في تصاعد كبير، على قناة المهدوي. وإذا تعمقنا في البحث، وفتحنا علبة التعاليق، فتلك قصة أخرى يطول بنا الحديث إذا تطرقنا إليها. وفي المجمل نقول إنها تعاليق تعطي لكل زعيم، حجمه السياسي الطبيعي البعيد كل البعد عن لغة أرقام عدد المقاعد النيابية

هذه الأرقام، إذا زدنا عليها كون بنكيران يمثل حزبا يحتل الرقم 8 كقوة حزبية، ولا يتوفر حتى على فريق برلماني، فإن السؤال يزيد من حيرة العقل الكانطي، ويبعثر أوراق المنطق الأرسطي. وهو الأمر الذي جعل ممارسات حكومة السيد أخنوش تتسم باللاعقلانية التي لا يفهمها العقل المحض لكانط، وتتسم كذلك باللامعنى الذي لا يفهمه منطق أرسطو. ومثالي تضارب المصالح وصفر مرسوم بخصوص التغطية الاجتماعية، يوضحان كل شيء

لو عرضنا هذه الأرقام على المنطق، لأخبرنا أرسطو أننا أمام مشهد مقلوب. ولو عرضناها على العقل المحض، لأخبرنا كانط أننا أمام واقع سياسي غريب أنتجته انتخابات 8 شتنبر. ولكي نكون منسجمين مع العقل الكانطي والمنطق الأرسطي، يجب قلب المشهد السياسي ليكون بنكيران في الحكومة وأخنوش في المعارضة. قد يبدو الأمر عصيا على الفهم، لكن العقلانية والمنطق، تففهم جيدا طبيعة المشهد السياسي المقلوب، لأنها تفهم جيدا ما بداخل علبة 8 شتنبر

في الختام نقول أين هو الإعلام العمومي من هذه الأرقام المليونية؟ هل الإعلام العمومي يعكس نبض الشارع، أم صورة من تركه الرأي العام في الهامش

التعاليق (0)

اترك تعليقاً