السياحة المغربية في منعطف 2025.. بين الأرقام والاختيارات

مجتمع

agadir24 – أكادير24

عبد الغني بلوط*

استقبل المغرب 8.9 ملايين زائر خلال النصف الأول من عام 2025، أي بزيادة قدرها 19 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وحده شهر يونيو سجل 1.7 مليون وافد، في أفضل أداء لهذا الشهر في تاريخ القطاع.

ولا يعكس هذا الارتفاع الاستثنائي فقط دينامية ظرفية، بل يترجم تحولا تدريجيا في موقع السياحة ضمن الاقتصاد المغربي، ويمهد، على الورق على الأقل، الطريق نحو هدف رؤية 2030 المتمثل في استقطاب 26 مليون سائح سنويا، غير أن هذا المسار، وإن كان مبشرا، لا يخلو من مفارقات عميقة، تستوجب التفكير الهادئ في نوع النمو الذي نريده: هل هو نمو بالأرقام فقط، أم نموذج متوازن ومستدام يخدم المجتمع قبل السوق؟

ما يجعل هذا التحول لافتا ليس فقط ارتفاع عدد الزوار، بل نوعية التوزيع الزمني والمجالي، فقد بدأ العام برقم غير مسبوق في يناير بلغ 1.2 مليون سائح (+27٪)، تبعه أداء قوي في فبراير (1.4 مليون، +22٪)، ثم في مارس الذي صادف رمضان، حيث استقبلت البلاد 1.4 مليون زائر (+17٪).

واستمر الزخم طوال الفصل الأول ليصل عدد الوافدين إلى 4 ملايين (+22٪)، رافقها مداخيل تجاوزت 24.6 مليار درهم. هذا التوسع الكمي ما كان ليحدث لولا المجهودات المبذولة في تعزيز الربط الجوي، وتوسيع العرض السياحي، وضخ استثمارات حكومية قاربت 10.5 مليارات درهم لتأهيل البنية السياحية، خاصة في المدن المرشحة لاستقبال مباريات كأس العالم 2030.

لكن مقابل هذا التسارع، بدأ يظهر نوع من الإجهاد في المدن السياحية التقليدية، وحتى في بعض الوجهات الناشئة. فقد كشفت الإحصائيات عن ضغط واضح على البنية الاستيعابية لعدد من المناطق، ليس فقط في الفنادق، بل أيضا في البنية التحتية والخدمات العامة.

وشهدت الإقامات الليلية زيادة بنسبة 16 في المئة حتى فبراير، وحققت مدن مثل فاس (29٪)، طنجة (28٪)، الدار البيضاء (25٪)، الصويرة (22٪)، وأكادير (15٪) نموا مضطردا.

 كما سجل إقليم الحوز لوحده قفزة بنسبة 37٪ في عدد المبيتات المصنفة، وتدل هذه الأرقام على حيوية كبيرة، لكنها في الوقت نفسه تضع الجهات المسؤولة أمام أسئلة صعبة تتعلق بتوزيع الموارد، وجودة الخدمات، والعدالة المجالية.

ليس خافيا أن تنويع العرض السياحي نحو الشواطئ، والجبال، والسياحة البيئية، قد ساهم في جلب فئات جديدة من الزوار، خصوصا إلى وجهات مثل تغازوت، إمسوان، وشفشاون، غير أن هذا التنويع لا يواكب دائما بسياسات تأطير كافية، ولا بتكوين مهني ملائم للموارد البشرية المحلية. ما يهدد في الأمد المتوسط بانخفاض جودة التجربة السياحية، وفقدان بعض الوجهات لروحها وهويتها، في ظل تزايد المعروض التجاري على حساب الطابع الثقافي الأصيل، فالسياحة ليست فقط تدفقات مالية، بل هي أيضا تفاعل إنساني وحضاري، يتطلب حماية المكان ومن يسكنه، لا تسويقه فقط.

لقد استطاع المغرب أن يتجاوز هدف 2026 قبل أوانه، باستقباله 17.4 مليون زائر في سنة 2024،  لكن بلوغ سقف 26 مليون زائر لن يكون إنجازا في حد ذاته إن لم يقترن برؤية شاملة تضمن توزيعا عادلا للعائدات، واستدامة بيئية، وإدماجا حقيقيا للمجتمعات المحلية.

فمع كل زائر جديد، يرتفع منسوب الضغط على الماء، والنقل، والنفايات، والأسعار، ومع كل موسم ناجح، تتزايد شهية المستثمرين، وتتراجع فرص السكان في تملك مصيرهم السياحي، فهل نريد مدنا حية تستقبل الزوار بروحها، أم فضاءاتٍ استهلاكية فاقدة للهوية؟

إن عام 2025، بكل أرقامه الواعدة، لا ينبغي أن يختزل في الصعود السريع للمؤشرات، بل يجب أن يفهم باعتباره لحظة حاسمة لمراجعة النموذج السياحي الوطني، لقد آن الأوان للانتقال من منطق الكم إلى ثقافة التجربة، ومن هوس التوسع إلى منطق التمكين المحلي، ومن نموذج ريعي إلى رؤية طويلة المدى تدمج السياحة في صلب التنمية، لا في هامشها، فالأرقام مهمة، لكنها قد لا تكون كافية.

*كاتب مهتم بالشأن البيئي والسياحي

التعاليق (0)

اترك تعليقاً