الحركات النسائية في المغرب، جدل مشروع أم رفض لثورة المرأة ؟
تعرف الحركة النسائية في المغرب جدلا واسعا ما يلبث أن يظهر بين الفينة والأخرى، فيعود ليقبر من جديد، وذلك على خلفية تعدد الرؤى والتوجهات داخل صفوف الحركة نفسها، والتي و إن اتفقت على المبادئ العامة فإنها تتباين إلى حد كبير في الرؤى المتعلقة بقضايا أخرى.
والحركة النسائية عموما ليست حزبا ولا تنظيما ولا منظمة، بل هي توجه يحوم حول قضايا المرأة بصفة عامة، ويشمل هذا التوجه في صفوفه توجهات أخرى قد تكون علمانية أو ليبيرالية أو حتى إسلامية، تعالج كل منها قضايا المرأة من وجهة نظر معينة.
النشأة والمراحل
تقسم لطيفة البوحسيني، وهي أستاذة جامعية مختصة بقضايا النساء، المسار التاريخي للحركة النسائية المغربية إلى ثلاثة مراحل، ارتبطت بثلاثة أجيال كبرى وبمراحل فارقة في تاريخ المغرب، فالمرحلة الأولى للحركة النسائية المغربية تمتد من منتصف الأربعينات من القرن الماضي حتى نهاية الخمسينات، أي خلال معركة الكفاح من أجل الاستقلال، بينما عرفت المرحلة الثانية انطلاقتها منتصف ثمانينات القرن الماضي، وعرفت تدريجياً خفوتاً منذ نهاية العقد الأول للألفية الثالثة، وهي المرحلة التي اشتد فيها الصراع بين الأحزاب السياسية الوطنية ونظام الحكم حول قضية الديمقراطية، في حين تؤكد لطيفة البوحسيني بأن المرحلة الثالثة لهذه الحركة لا زالت في خطواتها الأولى، وهي التي بدأت في الظهور بالموازاة مع حراك 20 فبراير، أي منذ سنة2011 في ظل ما سمي ب”الربيع العربي”.
ويؤكد الطرح الذي تبنته لطيفة البوحسيني، بأن قضايا المرأة ليست بمعزل عن باقي القضايا المجتمعية، بل إن الحركة النسائية على الأقل في المغرب كانت تعرف تحولاتها الكبرى في خضم التحولات المجتمعية التي تمر منها البلاد.
توجهات الحركة النسائية المغربية
الاتجاه العلماني
هو الاتجاه يتبنى العلمانية كفكر وتقوم عليها محدداته وثوابته، و يرتكز عليها في عملية التغيير التي يريد إحداثها في قضايا المرأة. استفاد هذا التوجه من حالة الفراغ التي أحدثها الاستعمار خميسنيات القرن الماضي، وكذلك من المناخ العام الذي خلفه لإسقاط بوادر الحركة النسوية بمفهومها الغربي في المجتمع المغربي، وتسود داخل التوجه العلماني للحركة النسائية المغربية توجهات أخرى ليبيرالية أو اشتراكية يسارية.
الاتجاه الإسلامي
يتمثل الاتجاه الإسلامي للحركة النسائية المغربية في مجموعة من المؤسسات والجمعيات النسائية، والتي تنضوي تحت لواء التيارات الإسلامية والأحزاب السياسية الفاعلة في المغرب، وهي لا تتجاوز الثوابت الدينية المتعارف عليها في مطالبها. ويشمل هذا التيار الجمعيات المنضوية تحت حزب العدالة والتنمية، وحركة التوحيد والإصلاح، وجماعة العدل والإحسان، وحزب النهضة وأحزاب أخرى.
الاتجاه التوفيقي
يسمى الاتجاه التوفيقي في الحركة النسائية المغربية أيضا باتجاه الطريق الثالث، ويسعى هذا الاتجاه إلى الربط بين الحداثة والإسلام، وإعادة تسويغ مطالب الحركة النسائية في إطار ديني، وتتميز رائدات هذا التيار بالتوظيف الفقهي للمقترحات والأفكار التي يطرحنها في ما له علاقة بقضايا المرأة.
وتعتبر الأستاذة أسماء المرابط واحدة من الناشطات في هذا الاتجاه، وتقول: “نحن نحتاج إلى المزيد من احترام المرأة في الإسلام وتقديرها، فهذا يعني أنَّه لا بد من إعادة قراءة النصوص من جديد، ووصف التفسيرات السائدة حتى الآن بصفتها ذكورية وأبوية”.
وفي ذات السياق، تقول رشيدة حمّي، وهي ناشطة يسارية : “أستطيع في هذه المجموعة معايشة مختلف جوانب هويتي. أستطيع في الوقت نفسه أن أكون مسلمة، وأن أشعر بأنني حرة، وبوسعي أن أعتنق قيمًا أخلاقية عالمية، والقيم الإنسانية التي علّمنا إيّاها الإسلام، إذ إنَّ الأمر يتعلّق بقراءة القرآن من جديد”.
و أكدت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، من جهتها بأن “الحركة النسائية بالمغرب لم تكن يوما ضد الدين، ولكن في نفس الوقت تطالب بتجديد الفكر الديني، لتحقيق نهضة قوية عبر السمو بالإنسان سواء كان رجلا أو إمرأة”، كما أضافت في إحدى الندوات التي حضرتها بأن “تجديد الفكر الديني لا ينقص من الدين بل العكس من ذلك، وتحرير المرأة سيجعلها فاعلة في مجتمعها إلى جانب الرجل”.
عراقيل و تحديات
يرى الدكتور محمد شقير، وهو أستاذ للعلوم السياسية، بأن الحركة النسائية المغربية تواجهها تحديات عميقة من أبرزما ما أسماه ب “انتهازية الأحزاب”، حيث يؤكد في حوار له مع أحد المواقع الإلكترونية على أن ” تعامل الأحزاب المغربية مع القضية النسائية اتصف منذ بداية الستينيات بنوع من البراغماتية والانتهازية السياسية” ، نظرا لأنها عمدت إلى “تهميش القضية النسائية” من خلال تخصيص حيز ضيق للمرأة داخل البرامج الحزبية، و”عدم الاهتمام بمحورية القضية النسائية وتحسين وضعيتها أثناء التعديلات الدستورية”.
وأشار الدكتور محمد شقير جليا إلى أن حضور المرأة في القيادات الحزبية المغربية خافت نوعا ما، وذلك على خلاف البلدان الآسيوية والإفريقية التي استطاعت فيها النساء أن تحتل مراكز هامة في الأحزاب السياسية وقياداتها.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن حقل الحركة النسائية لم يعد يقتصر اليوم على قضايا المرأة والأسرة فحسب، وذلك من قبيل ضمان تعليمها و مساواتها مع الذكور ومنع تزويجها قاصرا وغيرها من المطالب، بل أصبح اليوم هذا الحقل متشابكا مع قضايا التنمية والنهضة ونمط العيش والسكان، و إذ ذاك لم يعد بالإمكان النظر إلى المرأة في معزل عن التطور المجتمعي العام.
سكينة نايت الرايس – أكادير 24
التعاليق (0)
التعاليق مغلقة.