مقام السعادة والاستنارة في أعمال الفنان الفوتوغرافي سعيد أوبرايم

IMG 20250501 WA0110 كُتّاب وآراء

agadir24 – أكادير24


كيف يمكن للمرء أن يحاور تجربة فوتوغرافية لأحد أهم المصورين الفوتوغرافيين المعاصرين بالمغرب في شهادة تختزل عمرا تصويريا يتضمن مسارا معلمنا في طرح أسئلة وجودية وفنية ورؤيوية، فمعذرة للمتن البصري أولا وللفنان الفوتوغرافي سعيد أوبرايم…. عرفته منذ تسعينيات القرن الماضي، التقيت به بمعرض فوتوغرافي بمدينة القنيطرة، تجاذبنا أطراف الحديث رفقة ثلة من المبدعين حول واقع الفوتوغرافيا بالمغرب، وعن الاتجاهات الفنية والفكرية السائدة والتي يتجاذبها وقتها التوثيقي والتشكيلي…. كان سي سعيد حريصا على أن لا يقول إلا القليل، تدخل بسيط ولكنه عميق، ابتسامة صغيرة مملوءة بالود والاحترام، ترحيب صادق و مفعم بالود ……

مرت بعض السنوات، ليتصل بي مقترحا المشاركة ببعض أعمالي الفوتوغرافية بمعرض سيقام بمدينة أكادير، أكدت له مشاركتي وارسلت له مجموعة من صوري الفوتوغرافية تضم بعض أعمالي حول المسرح المغربي، ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع مساره الفوتوغرافي كمهتم بمجال التصوير متابعا وممارسا ومؤطرا….

سعيد أوبرايم …. كيف يمكنك التحدث عنه وهو شخص لا يرغب أصلا في ذلك، بل تراه منزعجا حين تتحدث عنه أو عن تجربته، عاشق للصمت، رصين التكوين، ذو ميولات علمية، يحب العمل بواسطة/ ومن خلال المشاريع الفنية وبذلك ينفر من الاعتباطية في الفن وخصوصا في التعامل، فنان إشكالي (بمعنى أنه يحمل قيما أصيلة في مجتمع لا يتوفر على ذلك حسب لوسيان غولدمان)، له مشروع فني بارز من خلال أعماله الفوتوغرافية من التيبت Tibet…. إلى إميلشيل فضاءات منتقاة بعناية ودقة لها مدلولاتها الثقافية منفتحة على قراءات متعددة من أنثروبولوجية وسيمائية وثقافية، حيث الصفاء والنقاء والعلو والسمو والسكون، حيث يتماهى الناسوت، واللاهوت، والطبيعة في إطار بحث الإنسان عن انسانيته التي نخرها التشيؤ والاكتئاب والأنانية المفرطة، ومن خلال هذا وغيره تولد مشروعه الشخصي في اثبات البعد الإنساني للثقافات وإن إختلفت بل وتضاربت، فسفره إلى التيبت ليس بالأمر البسيط ولا الهين، فمن منا يا ترى فكر يوما في كذا أمر؟ فهذه الرحلة كانت ضرورية ومصيرية لشخص يحمل هما ثقافيا وروحانيا، للوقوف والإطلاع عن قرب على العناصر المشتركة بين الإنسان المغربي القاطن بالأطلس الكبير وسكان جبال الهيمالايا، إذ لم يكن اعتباطيا على الإطلاق أن يعنون ألبومه الفوتوغرافي ب “شاي في التيبت: من الأطلس الكبير إلى الهيمالايا الكبرى”، واللافت للنظر خلال تصفحنا لهذا الكتاب/الألبوم هو غياب الأطلس الكبير فكل الصور تتبأر حول فضاء التيبت، ومن هنا مشروعية التساؤل حول هذا الغياب الواضح، الغير المحتاج للبحث ولا للتأويل!

الجواب عن هذا التساؤل المشروع قد يبدو بسيطا ولكنه في واقع الأمر مركب ومفتوح على قراءات متعددة، منها أولا أن هذا الغياب الصادم والملفت للنظر تعوضه وتملؤه ذات الفنان سعيد أوبرايم، هذه الذات الحاملة لثقافة مغربية أمازيغية موشومة بثقافة الأطلس الكبير والتي ترنو إلى البحث عن صورته وهي تتجلى عند/في الآخر، وكأن سعيد أوبرايم يريد أن يوصل لنا بأنه يحس بداخله أن هناك شيئا منه هنا في التيبت…. وثانيا وكما أسلفنا القول بأن الرجل يشتغل بمشروع ثقافي وفني، هو إصداره لألبوم فوتوغرافي آخر يتمم عبره، ومن خلاله، رحلته من الأطلس الكبير إلى الهيمالايا ألا هو الألبوم/الكتاب “إملشيل” الذي تم بواسطة رؤية تقنية وفنية مغايرة تحترم السياق الذي أنتجها، وتتطلب قراءاتها ترسانة منهجية وجهازا مفاهيميا مغايرا ومختلفا.

إن المحاولة التي تسعى لمقاربة محايثة لتجربة سعيد أوبرايم لن تجد لها جوابا إلا من خلال توفير الزاد وشد الرحال والاستعداد لصعود الجبال، من أعالي إملشيل إلى قمم الهيمالايا، فتجوالك عبد تضاريس ونتوءات أعماله ومحاولة الربط بين عناصر التجربة في كليتها هو الطريق الوحيد لشرب كأس الشاي مع سي الحاج أوبرايم، سواء في التيبت أو إملشيل، حيث الصفاء والبساطة وعشق التأمل والتماهي في/مع جسد الطبيعة (الأم الأولى) للوصول إلى مقام الاستنارة والسعادة، والتخلص من أذران المدنس (le profane) والارتقاء بالنفس إلى نقاء العلو والسكينة. إنه السعي إلى النيرفانا، حيث يتم اخماد كل الرغبات، ولكن الحاج سعيد أوبرايم يبقى في آخر المطاف مريدا للشاعر الفذ سيدي حمو الطالب، إنه ابن سوس العامرة، فهو يقارن ويقارب فقط، فليس من السهل أن تكون حاجا لبيت الله وعاشقا لأعالي الهيمالايا ورجلا بسيطا في إميلشيل واستاذا للعلوم الطبيعية ومؤطرا للفن الفوتوغرافي، وانسانا رائعا….
هكذا تكلمت أعمال سي الحاج سعيد أوبرايم بالنسبة لي، والله أعلم.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً