رشيد الطالبي العلمي في مواجهة التناقضات: حين اعتُبر الانسحاب خيانة.. فماذا عن غياب 291 نائبًا؟

talbi كُتّاب وآراء

في خطوة قد تثير الكثير من التساؤلات حول مصداقية الخطاب السياسي في المغرب، يُطرح اليوم تساؤل محير حول تصرف رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، الذي سبق له أن اعتبر أن “الانسحاب من التصويت على مشروع قانون ينظم ممارسة حق الإضراب، هو خيانة للسيادة الوطنية”.

الطالبي العلمي، الذي يعكس في هذا التصريح صورة السلطة التشريعية باعتبارها التمثيل الحي للسيادة الوطنية، شدد في وقت سابق على أن البرلمانيين، بصفاتهم التمثيلية، يجب أن يمارسوا صلاحياتهم خدمة لمصلحة الشعب، مستندًا إلى الدستور الذي يربطهم مباشرة بالأمة.

لكن في اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025، وعند التصويت على مشروع قانون الإضراب في القراءة الثانية، فوجئنا بغياب 291 برلمانيًا عن الجلسة، رغم موافقة 84 عضوًا على مشروع القانون ومعارضة 20 عضوًا.

هذا العدد الكبير من المتغيبين أثار الجدل، لاسيما وأن أغلب هؤلاء المتغيبين ينتمون لحزب الطالبي العلمي نفسه، حزب التجمع الوطني للأحرار.

هنا يبرز التناقض بشكل لافت؛ كيف يمكن لرئيس مجلس النواب أن يطالب النواب بالتصويت حرصًا على التمثيل الأمين للسيادة الوطنية، ثم يعجز عن تبرير غياب مئات من زملائه في هذا السياق الحساس؟ هل هؤلاء المتغيبون لا يعبرون عن الأمة كما هو مفترض؟ أم أن غيابهم يُظهر في واقع الأمر موقفًا ضمنيًا من مشروع القانون دون أن يتمكنوا من الإعلان عنه صراحة؟ أم أنهم محسوبون، هم أنفسهم، في عداد المضربين؟

في الواقع، ما يحدث اليوم يسلط الضوء على مشكلة عميقة في الخطاب السياسي المغربي، التناقض بين ما يُقال وما يُفعل.

إذا كان الطالبي العلمي يصف الانسحاب عن التصويت بـ”الخيانة”، فما هو تفسيره لغياب 291 برلمانيًا، وهم الذين يجب عليهم تمثيل الشعب في اتخاذ قرارات مصيرية؟ أليس ذلك نوعًا من التهرب السياسي، رغم أن بعض هؤلاء المتغيبين ينتمون إلى الحزب الذي ينتمي إليه الطالبي العلمي؟

الخطاب السياسي اليوم بات يحتاج إلى مراجعة دقيقة، فبين تصريحات تحمل طابع الوطنية والتمثيل الحي، وبين أفعال تترجم التخلي عن المسؤولية، يصبح من الضروري أن يواجه المسؤولون السياسيون هذا التناقض، ويقدموا تفسيرات حقيقية بعيدة عن التبريرات المعتادة التي تضر بمصداقية المؤسسات.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً