تبعمرانت تخلع قناع الصمت… وتغنّي سيرتها الجريحة لأول مرة.

ثقافية

أكادير: إبراهيم فاضل

في خطوة فنية واعترافية غير مسبوقة، كشفت الفنانة والشاعرة الأمازيغية فاطمة شاهو تبعمرانت، عن عمل غنائي جديد بعنوان ” اتّبير لجنت ” أو “حمامة الجنة” ، وهو عمل يفوق حدود الأغنية المتعارف عليها، ليصبح أقرب إلى سيرة ذاتية مُغنّاة بصوت صاحبتها، و بمشاعرها العميقة التي ظلّت مختبئة بين تفاصيل حياتها لسنوات طويلة، العمل الجديد، الذي اطلقته تبعمرانت مساء اليوم في منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تجاوزت مدته 15 دقيقة، يُرتقب أن يكون من أهم المحطات الفنية في مسار تبعمرانت، لما يحمله من جرأة أدبية وفنية، وصدق إنساني قلّما باحت به الفنانة تبعمرانت في أعمالها السابقة.

منذ اللحظة الأولى، تختار تبعمرانت أن تدخل جمهورها العريض مباشرة إلى قلب حكايتها، إذ تفتتح العمل باستحضار أكثر محطات حياتها ألمًا، لحظة فقدان والدتها وهي لم تتجاوز بعد سن الثالثة، تصف هذا الحدث بصوت يفيض رهافة، وكأن الجرح الذي خلّفه ما يزال طريًا رغم مرور السنين، هذا الفقدان المبكر شكّل، كما تقول كلمات الأغنية، حجر الأساس في تكوين شخصيتها، ورسم الكثير من ملامح قوتها وحساسيتها وتشبّثها بالحياة و الهوية والفن.

لكن أغنية ” اتّبير لجنت ” لا تتوقف عند هذا الحد، إذ تمضي تبعمرانت في كشف محطات شخصية لم يسبق أن أعلنتها للرأي العام، خصوصًا ما يتعلق بمرحلة طفولتها وسياقات تربيتها داخل الأسرة.

و تتناول الأغنية علاقة والدها بزوجته الثانية، ومحاولة الأخيرة التأثير في بعض القرارات الأسرية، إلى حد دفع والدها ” الجندي الذي حارب من اجل وطنه المغرب في حرب الرمال”، وفق ما ترويه الفنانة إلى التفكير في حذف اسمها من سجلات الحالة المدنية، وهي واقعة غير معروفة من قبل، وتكشف جانبًا حساسًا من معاناتها كطفلة كانت تبحث عن الاعتراف والانتماء والاستقرار في بيت مضطرب.

ولأن الحياة لا تمنح أفراحها دون أن تترك على أطرافها مساحات من الألم، تعود تبعمرانت في الأغنية إلى قصة حبها الأول، تلك التجربة التي حملت الكثير من الأمل، قبل أن تنتهي بفقدان الحبيب قبل أن يجمعهما الزواج، تحكي تبعمرانت هذه القصة بصدق مؤلم، وتصف أثرها الذي رافقها طويلًا، ليس فقط في حياتها العاطفية، بل حتى في تكوينها الفني، فهذه الصدمة العاطفية كما تعكس كلمات الأغنية كانت لحظة فاصلة شكلت قوتها من جهة، وعمّقت إحساسها بالحنين والفقد من جهة أخرى.

وفي مقابل كل هذه الجراح، يبرز في الأغنية حضور دافئ ومتجذر لشخصية لعبت دورًا محوريًا في حياة تبعمرانت، وهي جَدَّتها فقد كان لهذه الجدة الفضل الأكبر في تربيتها، بعد وفاة والدتها، واحتضانها بحنان غير مشروط، وتُهدي تبعمرانت جزءًا مهمًا من العمل لذكراها، مستعيدة لحظات مفعمة بالأمان والحكمة والحب، كلمات الأغنية تعبّر عن امتنان عميق لهذه المرأة التي مثلت، في حياة الفنانة، الأمّ والمعلم والملجأ.

كما تعود تبعمرانت إلى استحضار صورة والدتها الراحلة، في مقطع من أجمل مقاطع الأغنية، تُشبّه فيه حبها لأمها بحب الأرض للمطر، في استعارة شعرية تعكس الروابط الخفية التي لم تنقطع رغم الفراق، وتُجسّد تلك العلاقة الروحية التي تظل تعيش في الذاكرة والوجدان، مهما طال الزمن.

” اتّبير لجنت ” ليست مجرد أغنية، إنها نص فني يعيد رسم مسار فاطمة شاهو من الطفولة إلى النضج، ومن الجرح إلى القوة، ومن الفقد إلى الإبداع، عمل يؤكد مرة أخرى أن تبعمرانت ليست فقط صوتًا فنيًا متميزًا، بل ذاكرة حية تعيد من خلال الفن كتابة تاريخها الشخصي وتاريخ جزء من المجتمع الأمازيغي الذي ينتمي إليها.

وقالت الاعلامية السيدة عائشة ادعلاو خلال حديثها مع الجريدة لحظة اطلاق الاغنية في القنوات الرسمية للفنانة

تبعمرانت عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات العالمية الخاصة بالأعمال الفنية، أن هذا العمل، بطابعه الاعترافي وجرأته الفنية، سيشكّل منعطفًا مهمًا في مسيرة تبعمرانت، لأنه يكشف جانبًا من إنسانيتها لم يسبق أن بادلته مع الجمهور بهذا الوضوح، وأضافت عائشة ان هذا العمل الجديد سيمنح للمستمع فرصة نادرة للإنصات إلى قصة تُروى كما لو أنها تخرج للمرة الأولى من روح صاحبتها.
أكادير: إبراهيم فاضل