الانتخابات هي عملية قانونية وسياسية في النظام الديموقراطي وهي تمنح الشرعية للسلطة السياسية وتعد الوسيلة الجوهرية لمشاركة المواطنين في تسيير شؤونهم العامة لكن في السنوات الأخيرة عرفت المشاركة السياسية عزوفا من المواطنين ومن الشباب خاصة. ويعد العزوف الانتخابي والسياسي وجها من أوجه الصراع بين القوى السياسية بل هو شكل من أشكال التعبئة المضادة في مواجهة تعبئة الأحزاب المنخرطة في العملية الانتخابية، وهذا يتجلى من خلال امتناع كتلة هامة من الناخبين على الأدلاء بأصواتهم وربما ذلك يدل على انعدام الثقة في الطبقة السياسية وفي غياب الثقة لذى المواطنين في الخطابات السياسية للأحزاب ولوعودها الانتخابية وسعي الأحزاب الى العمل على تحقيق المصالح الخاصة لقادتها و” مريديها ” ونتيجة لذلك ابتعد المواطنون عن الحياة السياسية وتركوا المجال للانتهازيين و”المنتفعين” من “فرص” الانتخابات للاغتناء.
ان العزوف الانتخابي ساعد على تفاقم ظاهرة الفساد بشتى الوانه بل انه ولد بنى فاسدة في المجتمع السياسي وتمثل في :
انعدام الثقة في الطبقة السياسية وهو من أهم أسباب امتناع المواطنين عن التصويت، فمرشحي الأحزاب معظمهم انما يتسلقون أو يقتاتون من السياسة ومن عوائدها المادية وهم غير مؤهلين فكريا وسياسيا للمساهمة في تحقيق امال المواطنين او تحقيق الاصلاحات التي يروجونها وكأنهم يعانون من ازدواجية الشخصية: يخرقون الوعود ويصورون أنفسهم بالمنقذ والخادم والوطني والنزيه خلال فترة الانتخابات ولكن بعد فوزهم يظهرون أنهم ليسوا بأحسن ممن سبقوهم الا فيما يخص خدمة مصالحهم ومنافعهم الشخصية والعائلية…
احتكار القيادات الحزبية التقليدية لمواقع الزعامة داخل أحزابها بل انها تقاتل بعنف رمزي غبي كل كفاءة حزبية شبابية تخالفها الرأي حتى أنه نزلت بعض القيادات الحزبية بالخلاف في الرأي الى درجة المحاكمات والخصومات فاخلط عليها التمييز بين ما هو شخصي وما هو فكري وحزبي فمنعوا الأجيال الجديدة في الوصول الى المناصب القيادية.
شعور المواطن الناخب أن صوته لن يؤثر في النتيجة الانتخابية وقناعته بأن نموذج المرشح المثالي الذي يحلم به غير موجود في اللوائح الانتخابية للأحزاب وبالتالي يحجم عن التصويت ويعزف عن المشاركة في الانتخابات وهذا ما يسبب في هدر عدد كبير من الأصوات التي تحجم اراديا عن المشاركة في العملية الانتخابية.
عدم الثقة في الادارة المشرفة على العملية الانتخابات لعدم حيادها أو عدم اتخاذها الاجراءات والتدابير الصارمة لضمان نزاهة وشفافية هذه العملية، ورغم عمل السلطات الادارية على توسيع الوعاء الانتخابي أو ما يسمى بهيئة الناخبين من خلال تخفيض سن الاقتراع لكل ناخب وصل سنه الى ثماني عشر سنة أو السماح للناخبين في التصويت بالبطاقة الوطنية أو أي وثيقة رسمية تثبت الهوية… لكن رغم هذه التسهيلات القانونية والادارية فإنها لم تقلص من ظاهرة العزوف الانتخابي .. وكذلك رغم الاجراءات التواصلية والاجراءات التنظيمية المتخذة لتسهيل عملية الانتخاب، كلها وغيرها لم تؤدي الى الرفع من نسبة المشاركة وأصبح العزوف الانتخابي هو السمة المميزة للمشاركة السياسية مما يطرح التساؤل التالي :
ماهي الحلول الناجعة لكبح ظاهرة العزوف الانتخابي والمشاركة السياسية ؟
أولا: اصلاح النظام الانتخابي :
يعد النظام الانتخابي أهم ركن يتشكل منه النظام الديموقراطي وتوجد العديد من التطبيقات الديموقراطية في الأنظمة السياسية وكذا مجموعة من التطبيقات الخاصة بالانتخابات يختار منها النظام السياسي الشكل الملائم له وان كان الفقهاء السياسيون والدستوريون يختلفون فيما بينهم حول أي النظم الانتخابية أفضل اتباعا وتطبيقا لكن يتفقون على أن جميع هذه النظم يجب أن تسعى الى تحقيق هدف واحد وهو أن يكون الاستحقاق الانتخابي صورة صادقة ومعبرة عن ارادة الناخبين الحقيقية…ويبقى أن اصلاح النظام الانتخابي واردا وباستمرار نتيجة لتطور الثقافة الديموقراطية والتركيبات الاجتماعية.
ثانيا: تعميم الدعم المالي على كل المؤسسات الحزبية والنقابية:
ان القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية 11/99 يقر بتخصيص دعم سنوي للأحزاب السياسية التي حصلت على نسبة 3% (المادة 32) ويشرع هذا القانون للتمييز بين الأحزاب الصغيرة والكبيرة – المشاركة وغير المشاركة في العمليات الانتخابية- ويؤسس لعدم المساواة ضدا على جميع المواثيق المناهضة لللامساواة والتمييز وذلك حين ربط الدعم المالي بالمشاركة في الانتخابات مشترطا زيادة على ذلك الحصول على 3% من أصوات الناخبين وحرمان باقي الاحزاب الصغيرة أو المقاطعة، واذا كانت هذه النسبة المئوية منخفضة أصلا فان ما يستنتج من هذا الاجراء هو تجفيف منابع الدعم للأحزاب المقاطعة للانتخابات والحال أن هذا المال هو مال عمومي من حق كل الأحزاب الحصول عليه شأنها في ذلك شأن النقابات والجمعيات مادامت مهمتها الرئيسية تأطير وتمثيل المواطنين والتمثيل لا يشترط فيه المرور لزاما عبر البرلمان.
ثالثا: اصلاح وتجديد نظام الأحزاب
ينص قانون الاحزاب السياسية كما صادق عليه مجلس النواب يوم 20 اكتوبر 2005 في المادة21 انه (يجب أن ينظم الحزب السياسي ويسير بناء على مبادئ ديموقراطية تسمح لجميع الأعضاء بالمشاركة الفعلية في ادارة مختلف أجهزته) وهذا النص في عموميته يترك نوعا من الغموض بأن نص فقط على ان ينظم الحزب ويسير بناء على مبادئ ديموقراطية -هكذا- من غير أن تبين هذه المبادئ بشكل أكثر وضوحا وهذه الديموقراطية كذلك هل هي الديموقراطية المباشرة؟ ام غير المباشرة؟ كما يجب احترام مدة الانتداب الخاصة بالمسؤوليات داخل أجهزة الحزب وعددها التي لا يجوز تجاوزها ويجب تحديد الصفات الواجب توفرها في الأشخاص الذين ستقدمهم تلك الأحزاب في الاستحقاقات الانتخابية على جميع المستويات كاعتماد مبدا الديموقراطية والشفافية في طريقة ومسطرة اختيار مرشحيها.
رابعا: تشجيع الأحزاب على الاندماج وليس التحالف
ان التحالفات لا تبني استقرارا سياسيا ولا تساعد المجتمع السياسي على الاصطفاف السياسي (التقاطب) لأن التحالفات القائمة اليوم لا تتقاسم على الاقل وحدة المرجعية ووحدة البرنامج السياسي ووحدة الرؤية الاستراتيجية المتعارف عليها في التحالفات التي تتشكل في الانظمة الديموقراطية.
ان التحالفات التي عرفتها الساحة الوطنية كانت كارثة على الحياة السياسية والحزبية لأنها افرزت خرائط حزبية شكلت حكومات انتظر منها الشعب المغربي أن تشتغل على تدبير أزماته الاجتماعية والاقتصادية والتنموية فاذا بها تشتغل على تدبير أزماتها الداخلية للحفاظ على تحالفها الحكومي أو تحالفاتها المرحلية –التكتيكية وان التحالفات التي عرفتها الساحة السياسية الوطنية (لن تقاوم البلقنة الحزبية ولن تؤسس لمجتمع سياسي مستقر وعامل ومنتج ولن تقدم الممارسة السياسية الحداثية والواقعية بالمغرب والأهم أنها لن تعمل سوى على الابقاء على الفساد السياسي وممارسة سياسة الريع في العمل الحزبي والمساعدة على تدمير البنية السياسية بالبلاد) قاشي م. الكبير
ان السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المضمار هو لماذا تفضل الأحزاب السياسية المغربية الكبرى التحالف بدل الاتحاد الذي قننه مشروع القانون التنظيمي رقم 11/99 المتعلق بالأحزاب السياسية تحت عنوان (اتحادات الأحزاب السياسية) والذي خصص له المشروع ست مواد(من المادة 50 الى المادة 55) فلماذا تفضل الاحزاب المغربية التحالف على الاتحاد أو الاندماج ؟
ان المشهد السياسي في حاجة الى اتحادات واندماجات حزبية وليس الى تحالفات لا تبني استقرارا سياسيا ولا تساعد المجتمع السياسي على الاصطفاف السياسي (التقاطب).
خامسا: تفعيل دور الشباب لتدعيم البناء الديموقراطي
تقوية وتفعيل دور الشباب في الحياة السياسية سواء على مستوى رسم السياسة العامة أو صنع القرار واتخاذه وتنفيذه والاسهام الحر الواعي في صياغة نمط الحياة المجتمعية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وهذا ما لا يمكن أن يتأتى الا بالمشاركة السياسية عبر التصويت الانتخابي والتجديد والتغيير في المؤسسات الحزبية والتمثيلية.
وان العزوف البارز عن التصويت لذى الشباب يظهر بوضوح عدم قدرة الاحزاب والمجتمع في نقل ثقافة المواطنة والحس المدني والاحساس بالانتماء الاجتماعي لهذه الفئة وعلينا الاستفسار عن سبب هذا العزوف الذي قد يكون نتيجة عن خلل في نقل الثقافة الديموقراطية من جيل الى جيل.
سادسا: استحداث هيئة مستقلة للانتخابات
العمل على استحداث هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات ذلك أن الناخب الوطني لا يزال ينظر الى الادارة المكلفة بالإعداد للعملية الانتخابية بعين الريبة والشك وأنها غير محايدة مما زاد في نفوره عن المشاركة في العملية الانتخابية خاصة والمشاركة السياسية عامة.
سابعا: تجريب التصويت الالكتروني باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
حان الأوان تجريب التصويت الالكتروني سواء في تسجيل الاصوات أو الادلاء بها أو فرزها في الانتخابات، ولهذا يمكن اعتبار التصويت عن بعد من الحلول التي يمكن اتباعها لانعاش مشاركة المواطنين في العملية الانتخابية … يجب ان يسمح للناخب بأداء واجبه الانتخابي عن بعد بدون عناء كما أن عملية الفرز تتم بطريقة تلقائية وسريعة وبعدد قليل من الأشخاص وهذه العملية الانتخابية يمكن تطبيقها مؤقتا في الانتخابات الفئوية أو المهنية (مناديب العمال – اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء – الانتخابات المهنية للغرف ..)
ثامنا: التجنيد السياسي
ان من بين أهم الوظائف التي تضطلع بها الاحزاب السياسية هو التجنيد السياسي وتعتبر الأحزاب السياسية من أهم الأدوات التي تمكن المواطنين المشاركة والاسهام في الحياة السياسية حيث أنها تقدم للمواطنين الأداة والطريقة لتنظيم أنفسهم مع غيرهم الذين يشاركونهم في الرأي أو الفكر أو العقيدة السياسية. ودور الاحزاب يقوم على تجميع وحشد الناخبين وجعلهم يعتنقون المشروع السياسي لمنظماتهم وتنظيماتهم التي يدافعون عنها عبر التصويت الانتخابي من أجل فوز مرشحي أحزابهم. وتعتبر المشاركة الانتخابية المرتفعة دليلا على تعافي النظام السياسي وتعبيرا عن سلامة الأحزاب وحيويتها لذلك على الأحزاب الوطنية تسريع و تكثيف عملية التجنيد السياسي وخصوصا في صفوف الشباب والنساء.
ان النفور من العمل الحزبي والعزوف عن المشاركة الانتخابية هو ادانة لواقعنا السياسي والأحزاب السياسية المغربية تتحمل قسطا هاما من المسؤولية في انتاج هذا الواقع السياسي البئيس وعليها الحرص على ترميمه واصلاحه عبر امتلاك رؤية واضحة في معالجة ظاهرة العزوف عن الحياة السياسية أو الاعراض عن السياسة أو ما يعرف بالاغتراب السياسي وهو ما يعكس موقفا خطيرا هو الاحساس بعدم فاعلية العمل السياسي والعزوف الانتخابي ناقوس خطر منذر بفراغ سياسي !!!
بادرة محمد
العزوف الانتخابي : ناقوس خطر منذر بفراغ سياسي … فهل من حلول لكبح الظاهرة ؟ 2/2

التعاليق (0)