حين يتحول الاعتراف بـ”الفساد” إلى فقرة ترفيهية على الهواء!

111111111111111 كُتّاب وآراء

في الآونة الأخيرة، أثارت تصريحات متفرقة لعدد من المسؤولين الحكوميين ردود فعل واسعة، خاصة بعد أن تم بثها في برامج حوارية على قنوات عمومية وخاصة، خلال ساعات الذروة، حيث تحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة.

وزير التجهيز والماء، نزار بركة، قال في حديثه لبرنامج “نقطة إلى السطر” على القناة الأولى، إن الحكومة خصصت حوالي 13 مليار سنتيم لدعم استيراد الأغنام خلال سنة 2023، بهدف مواجهة ارتفاع أسعار الأضاحي وضمان توازن السوق.

غير أن الوزير نفسه أقر بأن بعض المستوردين لم يلتزموا بالسقف السعري المرجو، مما أدى إلى بيع الأضاحي بأسعار “غير معقولة”، وفق تعبيره، رغم الاستفادة من الدعم العمومي.

وبعد أيام فقط، خرج وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، في برنامج حواري على قناة ميدي1 تيفي، ليكشف بأن 18 فاعلًا فقط يتحكمون في سوق اللحوم بالمغرب، مشيراً إلى أن هذا التركّز الكبير في أيدي عدد محدود من المتدخلين يؤثر سلبًا على المنافسة والأسعار.

هاتان الشهادتان، الصادرتان عن مسؤولين ينتميان لحزب سياسي مشارك في الحكومة، تفتحان الباب أمام تساؤلات مشروعة من طرف الرأي العام: هل يكفي الاعتراف بوجود اختلالات من هذا النوع دون تحديد المسؤوليات أو الإعلان عن إجراءات تصحيحية؟ وأين دور الأجهزة الرقابية في ضمان التزام المستفيدين من الدعم العمومي بشروطه؟

صحيح أن الحديث العلني عن هذه الإشكالات يُمكن أن يُحسب ضمن خانة “الشفافية”، لكنه يصبح مثار قلق عندما لا يتبعه تفعيل آليات المساءلة. فالتصريحات تبقى في نهاية المطاف كلامًا إعلاميًا ما لم تُترجم إلى سياسات إصلاح ومحاسبة واضحة.

من جهة أخرى، لا يمكن فصل هذه المعطيات عن سياق اجتماعي واقتصادي يتسم بتصاعد كلفة المعيشة، وتراجع القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين.

لذلك، فإن الشفافية المطلوبة اليوم ليست فقط في كشف الاختلالات، بل في تقديم توضيحات دقيقة للرأي العام حول الإجراءات المتخذة لتصحيحها، وتحديد الجهات المسؤولة عنها، في إطار دولة القانون والمؤسسات.

إن ثقة المواطنين في مؤسساتهم تتعزز حين يرون أن المال العام يُصرف وفق ضوابط شفافة، وأن أي خلل في التدبير يُواجه بالحزم اللازم، دون انتقائية أو تساهل.

وفي انتظار خطوات عملية تعيد الاعتبار لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، تبقى هذه التصريحات مجرد إشارات إنذار، لا ينبغي أن تمر دون تمحيص وتدقيق، بعيدًا عن الإثارة أو التهوين.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً