هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه جريدة أكادير24 بأي شكل من الأشكال.

الفايد يسأل الدكتور بنحمزة “آش كاتعرف فالذكاء الاصطناعي”

كُتّاب وآراء

agadir24 – أكادير24

      سعيد الغماز-كاتب وباحث في الذكاء الاصطناعي

بعد أن ادعى قدرته على اختراع لقاح ضد فيروس كورونا، علمتُ أن الدكتور الفايد بعيد عن العقل العلمي، وعن منهاج وروح العلوم. منذ ذلك الوقت لم أعد أُتابعه ولا أُنصت له، لمعرفتي المسبقة أنه خارج تخصصه في علم التغذية، يكون الانصات له في تخصصات أخرى يدعيها هو فقط مضيعة للوقت.

لكن هذه الأيام، وقعَتْ عيناي على العديد من الأشرطة تَرُدُّ عليه، فتساءلتُ مع نفسي: لماذا يرد هؤلاء على الرجل في أمور هو أصلا لا دراية له بها، اللهم تلاعبه بالمصطلحات وادعائه ما لا علم له به. لكن بعض الأشرطة، عرَضَت مقطعا من شريط للفايد يتحدث بلغة التهكم على الدكتور مصطفى بنحمزة، ويطرح عليه سؤال: “آش كاتعرف نتا فالذكاء الاصطناعي”.

بداية دعوني أقول إن الفايد يعكس مظاهر التخلف التي تعرقل تقدم العالم الثالث بما فيها العالم العربي والإسلامي. وهو ما سأتطرق له في خاتمة هذا المقال، الذي لا أعتبره نصرة للدكتور بنحمزة، بقدر اعتباره نصرة للعلوم وللمنهج والعقل العلمي. علما أن بنحمزة يناقش الجميع باحترام لكافة الآراء، ولا يجادل من هو دونه في المستوى المعرفي وتخصصه العلمي.

وما دمتُ مهندسا في الاتصالات، وباحثا في الرقمنة والذكاء الاصطناعي، أنصت للدكتور الفايد ولحديثه عن الذكاء الاصطناعي، فوجدتُ أنه أخطأ في صياغة تساؤله. والسؤال الحقيقي هو: ماذا تعرف أنت الدكتور الفايد عن الذكاء الاصطناعي؟  

قبل الجواب عن هذا السؤال، بشكل علمي وباستعمال الأدوات العلمية، دعوني أتسائل معكم أيها القراء: لماذا تحدث الفايد بهذا الأسلوب البعيد عن المنهجية العلمية، عن قامة ثقافية وعلمية ومعرفية من طينة بنحمزة؟ وحين أقول قامة علمية، فأنا أتحدث عن رجل يحترم تخصصه، متضلع في علومه، ويحمل ثقافة موسوعية، سمحت له في توظيفها في مجال تخصصه. فتجد الرجل يتحدث في مجال تخصصه، ويفسر أفكاره وآرائه باستعمال أدوات في التاريخ والفلسفة والمنطق والعلوم البحثة، دون أن يدعي أنه يفهم في جميع العلوم.

هذه الثقافة الواسعة، جعلتنا نجد بنحمزة في منصة المحاضرة إلى جانب العلماني واللاديني والليبرالي والاشتراكي، يحاور الجميع ويناقش بأسلوب علمي موسوعي، يجعل محاوريه يحترمونه وإن اختلفوا معه.

لنعد الآن إلى الدكتور الفايد وسؤال “ماذا يعرف الفايد عن الذكاء الاصطناعي؟”. سي الفايد أنت تستعمل الذكاء الاصطناعي كمصطلح تُزيِّن به كلامك، لتبدو أنك مطلع على أحدث العلوم والتكنولوجيا. ولكني كمتخصص في المجال، أفهم من طريقة كلامك، أنك لا دراية لك لا بالذكاء الاصطناعي ولا بالرقمنة.

سي الفايد…الذكاء الاصطناعي هو مصطلح يمكن أن تجده على كل لسان كباقي المصطلحات من قبيل التخلف والجهل والرداءة وغيرها من المصطلحات. واستعمالك المكثف لمصطلح الذكاء الاصطناعي، لا يعني أنك متخصص فيه أو على دراية بعلومه. فنجد مثلا منتخبا لا يحمل حتى الشهادة الابتدائية، وفي إطار تحصين الكتلة الناخبة، يُرسله رئيس الجماعة لحضور مؤتمر دولي حول التحولات المناخية أو الذكاء الاصطناعي، في إطار الاتفاقيات التي تجمع بعض الجماعات مع مدن عالمية. وحين يعود صاحب مستوى الشهادة الابتدائية، تجده في دورات المجلس ومع أصدقائه يتحدث هو أيضا عن الذكاء الاصطناعي وأنه حضر، إن لم يقل كما يفعل الفايد، أنه ساهم في مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي. فهل هذا المنتخب يفهم في الذكاء الاصطناعي؟

سي الفايد…أنا مهندس في الاتصالات وأحترم تخصصي كما أحترم العلوم البحثة التي تسميها بالعلوم الكونية. لذلك لن أناقشك في مجال تخصصك أي علم التغذية، ليس احتراما لك، وإنما احتراما لتخصصي في مجالي الهندسي. فأن أخوض في علم التغذية وأزعم أني أفهم فيه، وأنا أعلم أنه علم من جنس مخالف لهندسة الاتصالات، هو إساءة لتخصصي ولهندسة الاتصالات وللذكاء الاصطناعي.

وما دمتَ لا تفهم في مجال الذكاء الاصطناعي، فاسمح لي أن ألقنك بعض الدروس في الذكاء الاصطناعي، وسأحاول تبسيطها لتناسب مستواك في هذه العلوم.

سي الفايد…الذكاء الاصطناعي يندرج في إطار الثروة الصناعية الرابعة المعروفة علميا بثورة 4.0. هذه الثورة الرابعة، بدأت بعلم الرقمنة والتحول الرقمي. وهذه الرقمنة تطورت وفتحت مجالا كبيرا وواعدا للإنسانية، اسمه الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الكم الهائل الذي توفره من معطيات، وهو ما ساهم في تطوير تخصص هندسي جديد يتطور بسرعة البرق اسمه تحليل نظم المعلومات (Data science).

علم الذكاء الاصطناعي جاء نتيجة زواج علوم الإعلاميات (Informatique) والاتصالات (les Télécommunications). التطور الذي عرفته هذه العلوم، والتقائها في مجالات تكنولوجية وعلمية، هو ما أفرز هذا التخصص الجديد الذي اسمه الذكاء الاصطناعي.

بدأ الذكاء الاصطناعي في بدايته بصناعة الروبوتات. ونظرا لما شهدته الرقائق الإلكترونية وخاصة أشباه الموصلات (Semi-conducteurs) وكذلك الخوارزميات، فقد عرف الذكاء الاصطناعي هو الآخر تطورا كبيرا ومتسارعا، ويمكننا القول إنه يُحدث حاليا ثورة كبيرة في حياتنا، تدخل في كل مناحي الحياة. فمن السيارة الذكية والآلة الذكية والروبوت الذكي، أصبحنا نتحدث عن المدينة الذكية والحكومة الذكية والإدارة الذكية والبيئة الذكية والإنارة الذكية… وتلك علوم يطول الحديث عنها، وقد كتبتُ العشرات من المقالات في هذا المجال.

سي الفايد…الذكاء الاصطناعي يدور في فلك العلوم الإلكترونية والإعلاميات بما فيها الخوارزميات، وكذلك الاتصالات، وأنت متخصص في علم التغذية الذي ينتمي لجنس العلوم الطبيعية. قد ينطلي تلاعبك بالمصطلحات على ضعاف الثقافة والفقراء في العلوم، لكنك في نظر المتخصصين لا تسيئ لتخصص لا تفهم فيه أي شيء، ولا تعرف عنه سوى المصطلحات، وإنما بهذا الأسلوب تسيء لتخصصك وللعقل العلمي.

أما حديثك بل تلاعبك ببعض المصطلحات في الرياضيات من قبيل (les algorithmes – la loi de gauss – les séries de Fourier – Taylor) التي لا تعرف منها إلا الاسم، فهي نظريات يقرأها أصحاب الباكالوريا قبل ولوجهم للتعليم العالي. أما علوم الرياضيات في التعليم العالي فهي قصة أخرى بعيدة عن نطاق تخصص الفايد.

والآن سأتحدث مع “العالم” الفايد كما يحلو له أن يصف نفسه، باستعمال أسلوبه وخطابه. الدكتورة التي حصلْتَ عليها في علم التغذية، هل أحدثت إشعاعا علميا جعل منها مرجعا في الدراسات العلمية؟ أم أنها بحث فقط لنيل شهادة الدكتوراه دون قيمة علمية في الاختراعات والأبحاث؟ دكتورة في مجال تفكيك مكونات السمن المغربي ماذا عساها أن تفيدنا في تطوير الذكاء الاصطناعي والرقمنة وعلوم الإلكترونيات؟

قلتُ في بداية هذا المقال، إن الدكتور الفايد يعكس مظاهر التخلف الذي يُعيق أي طفرة تنموية أو إقلاع علمي في بلدان العالم الثالث. أقول ذلك من منطلق أن العقل العلمي له خصائص علمية ومنطقية أولها مبدأ التخصص. في الدول المتقدمة، نجد كل عالِم أو مهندس أو باحث يهتم بتخصصه ولا يدعي معرفته بجميع العلوم. ففي المختبرات العلمية والبحثية، تجد العشرات من العلماء كل واحد يشتغل في مجال تخصصه. هذا الاحترام للعلوم وللتخصص، والابتعاد عن التطفل على تخصصات الآخرين، من بين أسباب تقدم العالم الغربي.

لكن في العالم الثالث، تجد الباحث لا يتعمق في بحثه، بل يكتفي بترديد بعض العناوين والمصطلحات، ويتطفل على علوم أخرى بعيدة عنه ويتحدث عنها بشكل سطحي. وهو حال الدكتور الفايد الذي قدم بحثا في مكونات “السَّمَنْ” المغربي وبعض الأعشاب التي تدخل في تخصص التغذية. لكنه يدعي تضلعه في الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية، وحتى الخوارزميات والعلوم الشرعية والشريعة الإسلامية والفلسفة والمنطق. وأخيرا يريد إيهامنا أنه متضلع حتى في الذكاء الاصطناعي الذي جعل منه مودا للنفخ في معارفه. إنها ليست تخصصات علمية بل هي “خَلَطَ جَلَطَة” من منظور العقل العلمي.

ربما “العالِم” الفايد لا يعرف أن أبرز شركة في مجال الذكاء الاصطناعي، تتوفر على 19 مركزا للبحث والتطوير (Recherche et développement)، موزعة على جميع أنحاء العالم ليس بحثا عن الفايد، وإنما بحثا عن المادة الرمادية القادرة على الاختراع. يشتغل فيها المئات من العلماء والمخترعين، كل واحد متخصص ليس في علم قائم بذاته، وإنما في جزيئة تقنية يتعمق فيها ويبحث في تطويرها. وإذا احتاج لتخصص آخر، فهو يطلب مساعدة أهل الاختصاص.

هذا هو الفرق بين العقل العلمي الذي تطورت به البلدان المتقدمة، والعقل السطحي الذي يعيق أي تقدم في العالم الثالث ويمثله الفايد.

       ختاما أدعوك، دكتور الفايد أن تستأنس بأبجديات الذكاء الاصطناعي وتسأله عمن يكون الدكتور مصطفي بنحمزة. وستكون مناسبة لتعرف القيمة العلمية للفقيه والدكتور والأستاذ الجامعي والباحث من بوابة الذكاء الاصطناعي.

قد يصل العالِم والمخترع لصناعة أذكى روبوت في العالم، ويساهم مع إيلون ماسك في صناعة مركبة فضائية تتيح للإنسان قضاء عطلته في كوكب المريخ. لكنه حين يختلط عليه الأمر في صلاته، إن كان مسلما، هل يقدم سجدة السهو أم يتركها بعد التسليم، أو يريد معرفة ما يقول في صلاة الجنازة أو كيفية الاغتسال، فهو يسأل الفقيه والشيخ وإمام المسجد الذي يصلي فيه. وإذا كان مسيحيا، فهو يؤدي صلاته ويردد ترانيمه في الكنيسة، وراء القسيس، وبطبيعة الحال لن يسأله “ماذا يعرف عن الذكاء الاصطناعي”، لأنه سؤال ينتمي لعقول تعرقل التقدم في العالم الثالث وليس لعقول العالم المتقدم.