لقد خلق الله الإنسان وهو يعلم ضعفه وقابليته للخطأ والذنب. فكما جاء في الحديث الشريف: “كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”. وحتى لو لم نذنب، فإن الله بفضله ورحمته هو الذي جعل التوبة سبيلاً لغفران الذنوب وتقرب العبد إليه. إن رحمة الله تتسع لكل ذنب، وعفوه يشمل كل خطيئة، فلا يقنط عبد من رحمته مهما بلغ ذنبه.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وهذا تأكيد على أن باب التوبة مفتوح دائمًا، وأن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، إلى أن تطلع الشمس من مغربها.
التوبة في زمن الفتن: كيف تواجه التحديات؟
نعيش اليوم في زمن كثرت فيه الفتن وتيسرت أسبابها. لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات سهلة لنشر الرذائل والفساد، وأصبحت الفواحش تنتشر بسرعة وتدخل إلى بيوتنا وحياتنا. ومع هذا الانتشار للفتن وتأثير إبليس وأتباعه على الناس لإضلالهم، يظل باب التوبة مفتوحًا من الله تعالى الذي يعلم ضعف عباده وعجزهم.
إن الله سبحانه وتعالى أزال كل حاجز يحول دون توبة العبد، فباب التوبة مفتوح دائمًا، ولا يُغلق إلا إذا بلغت الروح الحلقوم، أو طلعت الشمس من مغربها. إنها دعوة إلهية مفتوحة للرحمة والعفو والتوبة، تدعوك للعودة إلى الله مهما كانت ظروفك.
محبة الله للتائبين: الفرحة بعودتك
من عظيم فضل الله أنه لا يكتفي بقبول التوبة، بل إنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم. يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222]. وهذا الفرح أشد من فرحة الضال الذي وجد راحلته في الصحراء بعد أن فقدها. إنها محبة خاصة من الله لعبده الذي يعود إليه نادمًا مستغفرًا. عندما تتوب وتُقبل على الله، فإنه يفرح بعودتك ويحب توبتك.
إياك والقنوط: لا تيأس من رحمة الله
لقد حذرنا الله تعالى من القنوط من رحمته واليأس من مغفرته. بل إن القنوط من رحمة الله قد يكون أعظم من الذنب نفسه. يقول الله تعالى: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ} [الحجر:56]، و {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. هذه الآيات تؤكد أن رحمة الله أوسع من كل ذنب ارتكبته، وكل ما عليك هو أن ترجع إليه وتتوب، وهو سيقبل توبتك.
مهما استكثرت ذنوبك أو استعظمتها، تذكر نداء الله لك: “يا ابن آدم! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي”. إن الله يغفر الذنوب جميعًا إذا أشركت به شيئًا وتبت إليه بصدق.
التوبة المتكررة: باب العودة مفتوح دائمًا
قد يتوب العبد توبة صادقة ثم يعود للذنب مرة أخرى بسبب وسوسة الشيطان أو غلبة الهوى. في هذه الحالة، قد يوسوس الشيطان بأن هذه التوبة ليست مقبولة أو أنها استهزاء، لكي يمنع العبد من العودة إلى الله. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أوضح أن باب التوبة مفتوح دائمًا، مهما تكرر الذنب والعودة إليه.
إن الله يقبل توبة العبد الذي يذنب ثم يستغفر ويعود إلى التوبة، حتى لو تكرر ذلك مرات عديدة. المهم أن تكون التوبة صادقة، والعزم على عدم العودة إلى الذنب حقيقيًا. فالله يغفر لعبده الذي يعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ويتقبل منه توبته المتكررة ما دام يجددها بصدق.
التعاليق (0)