أشهر قليلة تفصلنا عن دخول القانون رقم 43.22 حيز التنفيذ، والمتعلق بالعقوبات البديلة، بعد نشره في الجريدة الرسمية رقم 7328، وبعد أن يثم إستكمال النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه. ويعد هذا القانون خطوة بالغة الأهمية في مسار تحديث السياسة الجنائية المغربية، وتجاوز الاختلالات التي أبانت عنها التجربة السجنية، من اكتظاظ وغياب الأثر الإصلاحي والتهذيبي للعقوبات السالبة للحرية.
إن بناء عدالة جنائية عادلة وفعالة لا يستقيم دون تعميق التفكير في فلسفة العقاب، وإستلهام الأسس التي نادت بها النظريات النقدية الحديثة، كما جسدها فكر ميشيل فوكو الذي دعا إلى تجاوز القصاص الجسدي ونقل العقوبة من الجسد المعذب إلى الجسد المنتج. هذا التحول المفاهيمي يحتم أن تبنى قواعد القانون العقابي على الحكمة، والنجاعة والعدالة، لا على منطق الإنتقام والتكديس وراء قضبان السحون.
لقد جاء هذا القانون ليدرج ضمن المنظومة الجنائية المغربية، عقوبات بديلة تحافظ على حق المجتمع في المحاسبة، دون أن تغفل عن فردية العقوبة و عن كرامة المحكوم عليه، وعن مدى نجاعتها في تقويم السلوك وإعادة الإدماج.
ومن أبرز هذه العقوبات ، العمل لأجل المنفعة العامة، والغرامة اليومية،وتدابير الرقابة والعلاج والتأهيل، وكلها تدابير تحل محل العقوبة السالبة للحرية إذا لم تتجاوز سنتين حبسا، ووفق ضوابط دقيقة تراعي سن المحكوم عليه، وخطورة الفعل ووضعه الاجتماعي والمادي.
كما تبنى مشروع القانون تدابير إجرائية حديثة ترسخ لمفهوم العدالة التصالحية، أبرزها الصلح الزجري، والسند التنفيذي الإداري، والأمر القضائي في الجنح، وآلية التجنيح القضائي، والمراقبة الإلكترونية( السوار الإلكتروني)، والتخفيض التلقائي للعقوبة، وكلها تهدف إلى ترشيد الزمن القضائي، وتخفيف العبئ عن المنظومة السجنية، وتحقيق عدالة فعالة ومتوازنة بين حق الضحية وحق المحكوم عليه.
ختاما ، يبقى السؤال الجوهري، هل ستنجح العقوبات البديلة في تحقيق الغايات التي عجزت عنها العقوبات التقليدية؟ وهل نحن أمام إصلاح جنائي حقيقي، أم مجرد عملية تجميلية قانونية لمعاناة إجتماعية أعمق؟ إن التحدي لا يكمن فقط في سن القوانين، بل في حسن تنزيلها، وضمان توازنها، وإرفاقها بإصلاح إجتماعي شامل يعيد للعدالة معناها، وللعقوبة نبلها، وللمجتمع ثقته في منظومته القضائية.
ذ/الحسين بكار السباعي/محام مقبول لدى محكمة النقض
عضو اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لجهة سوس ماسة.
باحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
التعاليق (0)