طالب حزب العدالة والتنمية بإصلاح شامل للمنظومة الانتخابية يعيد الثقة إلى العملية الديمقراطية، ويقطع مع ما وصفه بـ”المال السياسي” و”الاختلالات التي أفسدت المشهد السياسي المغربي في السنوات الأخيرة”، وذلك خلال اجتماع استثنائي عقدته الأمانة العامة للحزب، استجابة لمستجدات خطاب العرش ولقاء وزارة الداخلية مع قادة الأحزاب.
وشدد الأمين العام للحزب، خلال الاجتماع، على أن الخطاب الملكي ليوم عيد العرش شكّل لحظة فارقة، لما تضمنه من توجيهات صريحة تدعو إلى تجاوز حالة “السير بسرعتين” والتصدي للاختلالات التي تنخر الجسم الديمقراطي، وخصوصًا ما أفرزته الانتخابات الماضية من تجاوزات وانزلاقات.
وأوضح أن اللقاء الذي عقده وزير الداخلية مع تسعة أحزاب برلمانية السبت الماضي جاء مباشرة بعد الخطاب الملكي، وانعقد بطلب من الوزارة في سياق تنزيل التوجيهات الملكية. وقد مثّل الحزب في هذا اللقاء القيادي إدريس الأزمي الإدريسي، الذي أكد أن الكلمة التي ألقاها الوزير تضمّنت إشارات قوية حول المرحلة المقبلة، منها ضرورة تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة، والتصدي الصارم لأي انحراف قد يمس بحرية الإرادة الشعبية، وتحميل الأحزاب مسؤولية تزكية المرشحين، مع انفتاح الوزارة على الحوار مع الفرقاء السياسيين في إطار مقاربة تشاركية.
وأشار الأزمي إلى أن الكلمة المكتوبة التي قرأها الوزير لم تترك مجالًا للشك، حيث وردت عبارات واضحة تدعو إلى “التصدي الحازم لكل ما من شأنه أن يمس مصداقية الانتخابات أو يعوق التعبير الحر للمواطنين”، مؤكدًا أن الوزارة عبّرت عن إرادة سياسية جديدة في هذا السياق.
وقد كشفت وزارة الداخلية خلال اللقاء عن برنامج عمل يتضمن سبعة محاور كبرى، تشمل تحليل اللوائح الانتخابية، وتخليق العملية الانتخابية، وتحفيز المشاركة والحد من العزوف، وتطوير تمويل الأحزاب، ودعم مشاركة النساء والشباب، وتعزيز الإعلام العمومي والتواصل السياسي، إضافة إلى إعداد جدول زمني دقيق للاستحقاقات المقبلة.
وأكد الحزب أنه سينخرط في هذه الورش من خلال إعداد مذكرة تفصيلية تُرفع قبل نهاية شهر غشت، على أن تنطلق المشاورات الثنائية في شهر شتنبر، ليتم عرض التعديلات القانونية خلال دورة البرلمان الخريفية، كما شدد على أن المطلوب ليس فقط إصلاحات قانونية، بل استرجاع الثقة في المؤسسات المنتخبة، خاصة بعد ما أظهرته استطلاعات الرأي من تراجع كبير في ثقة المواطنين بها.
وانتقد الأمين العام في كلمته ما وصفه بـ”الفضائح المالية والسياسية” التي تتفجر تباعًا، معتبرًا أن استمرار هذا الوضع يسيء إلى صورة المغرب دوليًا، ويحبط تطلعات المواطنين في انتخابات نزيهة. ولم يخفِ استغرابه من صمت رئيس الحكومة إزاء ما يثار من شبهات، معتبرًا أن “المرحلة السياسية للحكومة قد انتهت” في ظل هذا السياق، وداعيًا إلى تقديم توضيحات للرأي العام أو تحمل المسؤولية السياسية الكاملة.
وشدد على أن الحزب لا يسعى إلى الانتقام مما وقع سنة 2021، ولا يربط وجوده بنتيجة انتخابية، بقدر ما يعتبر أن التحدي الأهم اليوم هو استرجاع المصداقية، وخلق مناخ انتخابي نزيه وشفاف. كما أكد أن الديمقراطية الحقيقية تبدأ من احترام صوت المواطن، مشيرًا إلى أن “ما يهم الحزب ليس الفوز، بل أن يشعر المغاربة أن أصواتهم تُحترم وأن العملية السياسية جدية”.
ودعا قيادة الحزب وأعضاءه إلى الدخول في مرحلة التعبئة الميدانية، والعمل على التواصل مع المواطنين وتشجيعهم على التسجيل في اللوائح الانتخابية، والعمل على رفع نسبة المشاركة، محذرًا من تكرار سيناريو العزوف كما حدث في انتخابات 2007، والذي يهدد بنسف الثقة في المسار الانتخابي برمّته.
وختم الحزب اجتماعه بالتأكيد على أن إنجاح الاستحقاقات المقبلة مسؤولية مشتركة بين الدولة والأحزاب والمجتمع، داعيًا الإعلام العمومي إلى الانخراط في تأطير النقاش السياسي، وتوجيه الرأي العام نحو القضايا الكبرى التي تستحق النقاش، بدل الاكتفاء بالحملات التحسيسية السطحية. كما شدد على أن زمن “الالتفاف” و”التعتيم” قد ولّى، وأن المرحلة الجديدة تقتضي وضوحًا وشفافية ومحاسبة، حتى لا تتحول الانتخابات إلى لعبة فقدت قواعدها، ويفقد معها المواطنون ثقتهم في مؤسساتهم وديمقراطيتهم.
التعاليق (0)