لم يجد رئيس المجلس البلدي لسيدي افني من شيء يقدمه للمدينة في ذكرى استقلالها عن الاستعمار الاسباني سوى هدية مسمومة عبارة عن شريط فيديو مهين باللغة الاسبانية، نشرته الجماعة على صفحتها الرسمية أمام الراي العام المحلي و الوطني و الدولي، تعمميما للفضيحة، والذي تقول أنه تم عرضه في قاعة الاجتماعات ببلدية مالقا الاسبانية للتعريف حسب تعبير الجماعة بمؤهلات سيدي افني.
و الواقع ان الفيديو كان اهانة واضحة و صفعة مدوية للرئيس الأمي، و من معه من الأميين، و الذي لا شك أنه والى الان لم يدرك خطورتها و أبعادها وانى له ذلك ، حيث مرر الفيديو مغالطات خطيرة مرت مرور الكرام امام وفد الجاهلين، و لم تكشف عن الجهل الذي يغرق فيه ممثلو المدينة فحسب، اذ لم يعترض أي احد الى الان على محتوى الفيديو المنشور إلى حدود الساعة ، بل و كشفت كذلك عن رسائل سياسية و سيادية تسير في الاتجاه المعاكس للسياق الإيجابي الذي صار يطبع العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا و المغرب.
و نعرف جيدا ان مالقا مدينة يسيرها حاليا الحزب الشعبي اليميني المعارض لحكومة سانشيز اليسارية، و الذي بالإضافة إلى كونه يغرف من معين الفرنكوية التي تمجد الى حد كبير المرحلة الاستعمارية، فجزء كبير منه كما هو معلوم يعارض قرار الحكومة الإسبانية الذي قضى بطي صفحة الخلافات على اساس الاعتراف الضمني بمغربية الصحراء وفق رؤية غير مسبوقة لقصر المونكلوا..
و بصرف النظر عمن كان وراء إخراج هذا العمل “الإعلامي” الذي يجب تصنيفه في الحقيقة في خانة البروباغاندا الامبريالية التي لن يفهم البطاح ابعادها، و انى له ذلك، فعرضه في قاعة رسمية ما كان ليكون أصلا لو لم يطلع عليه المسؤولون الاسبان في مالقا أولا، و الذين لا شك انهم وجدوا فيه ضالتهم في اطار المزايدات و تسجيل النقاط السياسية الداخلية من جهة، و من جهة ثانية كونه يتسق مع الاديولوجيا اليمينية، الوريث الشرعية للفرنكوية، والتي لا تنظر للإرث الاستعماري كما أشرنا بعين ناقدة.
لذلك لا شك أن الضوء الأخضر اشتعل بشكل مريح امام محتوى وجد للحقيقة الاستعمارية تسمية ناعمة، أي “المرحلة الاسبانية : Periodo Español بديلا عن الاستعمار ، El Colonialismo
الذي لم ينته وجوده الا بفعل مقاومة جيش التحرير في منطقة ايت باعمران و التي فتحت الباب بقوة امام مفاوضات الجلاء.
و لم يقف الفيديو/ الإهانة عند هذه الحدود فحسب ، بل و “تعدى” تاريخيا الى أبعد من ذلك حيث أرخ بشكل مجانب للصواب لما أسماه العلاقات بين البلدين الممتدة حسب التقرير من 1860 إلى غاية 1958، السنة التي اعتبرها تأريخا لاستقلال المغرب ، كما لو ان سيدي افني التي استقلت عام 1969 بعد أن احتلت عام 1934 ، و التي هي موضوع اللقاء، زد على ذلك الصحراء التي استعيدت في 1975 هي اراضي خارج الدولة المغربية، و هو ما يبدو انه اختزال مقصود و غمزة خبيثة ترسم خارطة على مقاس اليمين في مالقا و اسبانيا بشكل عام، و تلغي ضمنيا الحق التاريخي في استعادة سبتة ومليلية التي تم احتلالهما على التوالي في 1415 و 1496 ، أي قبل 1860 حيث وجود و تاريخ طويل للمغرب و لعلاقاته مع أسبانيا!
و إذا كان البطاح لا يفهم الإسبانية فهذا عذر اقبح من زلة لان من المفروض على كل مسؤول مثله ان يتوقع أي شيء و يضع في الحسبان كل شيء، بما في ذلك “الزلات” الإعلامية و الحسابات السياسية المحتملة، بل و عليه ان يظل بالإضافة الى ذلك يقظا و قادرا على التقاط الإشارات السياسية، و يصوب ما يمكن تصويبه بلباقة قبل فوات الاوان، لأنه يعتبر و الحالة هذه سفير بلد بكامله، و ليس رئيس بلدية أحضر قطيعا من الغنم بحثا عن الكلأ الانتخابي على حساب المصالح العليا للبلد.
و الواقع ان الذي قال ذات يوم ان المغرب له قضية عادلة و محام فاشل كان على حق تماما فها نحن نرى اليوم الذي ينسف فيه الجهلة في لحظة واحدة مكاسب دبلوماسية استثمر من أجلها الوقت و الجهد، و يضعون مقابل ذلك مصالحهم الانتخابية على رأس الأولويات.
لهذا يجب ان تكون الأولوية تخليص الكراسي من هذا العبء المكلف ماديا و سياسيا و نفسيا، و قطع الطريق امام جهلة ليسوا فاشلين في التدبير محليا فحسب، و انما لكونهم يشكلون خطرا علينا حتى في الخارج، و الأخطر انهم يفعلون ذلك فرحين بما اتاهم الكرسي من فضله، غير مترددين في نشر الفضيحة على صفحة الجماعة، مستمرئين لعب دور الحطب في صراع سياسي تشتعل ناره و تنطفئ حسب ما تقتضيه المصالح السياسية ..
اما عن المعالم التاريخية التي خلفها وراءه الوجود الاستعماري فلا أحد وقف ضد ذلك، على العكس، إنه ضرورة تعكس قدرا كبيرا من الوعي بالقيمة التاريخية و الجمالية للذاكرة للمحلية، والتعاون المسؤول في هذا السياق مرحب به، ففي كل مدن المغرب يزداد الوعي بذلك و تخصص الاغلفة الضخمة من أجل ترميمها و الحفاظ عليها، عكس ما يفعله “مول البصمة” الذي شوه الإرث المعماري الكولونيالي و أهان قيمته حيث بدأ بمقر البلدية التاريخي التي اقتلع زليجها الأصلي محولا فضاء فنيا ما يشبه قاعة باردة ممسوخة، مثلما ظل شاردا إلى ان تم هدم “الكوشة”.
و لا ندري وجهة “فرنكستاين” القادمة بعد أن خرج على الناس منتقما لغياب “الروح” تاركا كل هذا الركام خلفه، فحديثه اليوم عن حماية المعالم التاريخية امام الأجانب اتى للمزايدة فقط، و بعد ان وجد نفسه مرغما على الالتحاق بإرادة جماعية تقف شاهدا على كونه عدوا للتاريخ و الجغرافيا على حد سواء.