فلسفة الدوران عند جلال الدين الرومي: قراءة روحية في رقصة السماع

تُعدّ رقصة السماع أو الرقصة المولوية، من أبرز الطقوس الروحية في التراث الصوفي، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باسم الشاعر والمتصوف جلال الدين الرومي، الذي جعل منها فناً يجمع بين العبادة والجمال، بين الانجذاب الإلهي والتعبير الجسدي عن المحبة الإلهية.
نشأت رقصة السماع في القرن الثالث عشر بمدينة قونية بتركيا، حيث عاش الرومي وأسس طريقته المعروفة بالمولوية.ويرتبط ظهورها بلحظة تأمل عميقة عاشها الرومي حين سمع صوت مطرقة حداد تنغّم بذكر الله، فانطلق جسده في حركة دائرية تلقائية ترمز إلى دوران الكواكب حول الشمس، وإلى دوران الوجود حول مركز الحقيقة الإلهية.
رقصة السماع ليست مجرد أداء فني، بل رحلة روحية نحو الله. يقوم الراقص المولوي بالدوران حول نفسه، في حركة منظمة ترافقها موسيقى ناي حزينة وأشعار مولانا التي تمجد الحب الإلهي.
كل حركة في الرقصة لها دلالة رمزية:اليد اليمنى مرفوعة إلى السماء لتلقي النور الإلهي، واليسرى متجهة نحو الأرض لتوزيعه على الخلق. أما الدوران فيرمز إلى فناء الأنا في ذات المحبوب، وإلى التوازن بين الروح والمادة.
طريقة الدوران ترتكز على الرجلين أو الساقيين. رِجل ثابتة في الأرض ثبوت المخلوق على شريعة الخالق. ورِجل تدور حول الرجل الأخرى، وكأنها تريد أن تلتحم مع دوران الكواكب حول الشمس بحثا عن الانسجام مع النور الإلهي.
ترافق رقصة السماع موسيقى تعتمد على الناي والدف، وهما آلتان ترمزان إلى أنين الروح البعيدة عن موطنها الأول.وغالباً ما تُرتّل أشعار جلال الدين الرومي المفعمة بالحب الإلهي، من ديوانه الشهير “المثنوي”.
في فلسفة الرومي، العشق هو جوهر الوجود، والسماع هو تجلٍّ لهذا العشق في صورة حسية.عندما يدور الدراويش، فهم لا يرقصون للمتعة، بل يتوحّدون مع الحركة الكونية التي تسير بها جميع الكائنات نحو خالقها. هكذا تفهم فلسفة جلال الدين الرومي دوران الدراويش حول جسدهم.
ما زالت رقصة السماع تؤدّى إلى اليوم في قونية، خصوصاً في شهر ديسمبر من كل عام، خلال مهرجان مولانا جلال الدين الرومي الذي يجذب الآلاف من الزوار من مختلف أنحاء العالم.
رقصة السماع ليست مجرد فن صوفي، بل فلسفة حياة تسعى إلى إعادة الإنسان إلى مركزه الروحي، وتذكّره بأن كل حركة في الوجود إنما هي دوران في فلك الحب الإلهي. دوران الكواكب حول الشمس، هو في فكر جلال الدين الرومي، سير ومسير نهو النور الإلهي، ودوران الدراويش هو الآخر سير وبحث عن هذا النور الرباني.
سعيد الغماز كاتب وباحث