تتفجر منصات التواصل الاجتماعي ومقالات الرأي وحتى التصريحات السياسية الرسمية، كلما نطق عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، بكلمة في تجمع حزبي أو مقابلة إعلامية أو حتى أثناء حديث عابر في الهواء الطلق.
ظاهرة تكاد تكون استثنائية في المشهد السياسي المغربي.. رجل يثير، بمجرد ظهوره أو تصريحاته، موجة من الردود المتباينة بين السخرية، والتهجم، والتشكيك، بل وحتى “التنمر السياسي”، في بعض الحالات.
هذه الظاهرة، التي تبدو للوهلة الأولى موجهة لإضعاف صورة بنكيران، تطرح سؤالًا جوهريًا.. لماذا لا يستطيع خصومه السياسيون تجاهله؟ ولماذا تصبح كلماته، كيفما كانت، موضوع الساعة في المشهد السياسي المغربي؟
يشبه هذا السلوك، بشكل أو بآخر، ما وقع في الساحة الأمريكية إبان الحملات الانتخابية بين دونالد ترامب وجو بايدن. فرغم أن ترامب كان هدفًا لانتقادات متواصلة من الإعلام والخصوم، إلا أن ذلك جعله في قلب النقاش السياسي، ومنحه ترويجًا دائمًا في المشهد العام، بل إن بعض التحليلات اعتبرت أن هجوم الإعلام عليه ساهم في تعزيز حضوره أكثر مما أضعفه.
ينطبق هذا النموذج جزئيًا على بنكيران. فالرجل، المعروف بأسلوبه المباشر والعفوي، لا يلتزم كثيرًا بالقوالب البروتوكولية في حديثه، وهو ما يجعل كلماته قابلة للاجتزاء والتحريف وحتى السخرية، ولكنها في المقابل تُنتج تفاعلًا جماهيريًا هائلًا، إيجابيًا وسلبيًا، يرسّخ حضوره كفاعل لا يمكن تجاوزه.
أما عن دوافع السياسيين الذين يسارعون إلى الرد على بنكيران، فهي متعددة:
أولًا، التوجس من تأثيره الجماهيري، إذ يحتفظ الرجل بشعبية متجددة لدى شرائح واسعة من المغاربة، خصوصًا فئة المتذمرين من النخبة السياسية التقليدية، مما يدفع البعض إلى محاولة الحد من تأثيره عبر تشويه خطابه أو التقليل من شأنه.
ثانيًا، الرغبة في تسجيل نقاط سياسية، حيث يُنظر إلى مهاجمة بنكيران كفرصة لكسب نقاط داخل الأحزاب أو عند القواعد الانتخابية، باعتباره خصمًا إيديولوجيًا واضحًا ومثيرًا للجدل.
ثالثًا، التغطية على الفشل أو التراجع، ففي كثير من الأحيان، يكون التركيز على تصريحات بنكيران وسيلة لتحويل النقاش عن قضايا أكثر حساسية أو فشل بعض السياسيين في ملفاتهم التدبيرية.
رابعًا، الرهان على “صورة الغضب” لتأليب الرأي العام، من خلال تصوير بنكيران كشخص “شعبوي” أو “خارج السياق المؤسساتي”، رغم أن خطابه يستند أحيانًا إلى وقائع صادمة أو تحليلات واقعية.
اللافت في هذه الدينامية أن بنكيران، رغم تقلب مواقفه أحيانًا، لم يخرج من المشهد السياسي منذ أكثر من عقد من الزمن، وبقي في الواجهة، مدعومًا بقدرته على الخروج بتصريحات قوية تثير الجدل وتعيد رسم خريطة الاصطفافات.
وفي المقابل، لم يستطع خصومه أن ينتجوا خطابًا أكثر إقناعًا أو تأثيرًا، مما جعلهم أسرى لرد الفعل، لا صناعًا للمبادرة، قد تبدو كثافة الهجوم على بنكيران وسيلة لاحتوائه، لكنها في الواقع تسهم في تأكيد حضوره السياسي وتعيده إلى صدارة المشهد مع كل جملة يقولها. وكأن الساحة السياسية تقول له، من حيث لا تدري: “تكلم… فنحن بحاجة إليك، سواء لمدحك أو لجلدك”.
تحليل ممتاز وصور دالة على الرجل الذي هو عصا في عجلة السياسويين بالمغرب أو حصاة في أحذيتهم الغالية ….