التصنيف: على حافة القلم

  • الإعلام بين النزاهة والصراعات الشخصية: هل فقدنا البوصلة؟

    الإعلام بين النزاهة والصراعات الشخصية: هل فقدنا البوصلة؟

    في السنوات الأخيرة، لم يعد غريبًا أن نشهد معارك كلامية بين إعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتبادلون التهم والانتقادات بأسلوب يخلو من المهنية، بل يصل أحيانًا إلى الإساءة الشخصية.

    هذه الظاهرة لم تعد مجرد حوادث معزولة، بل تحولت إلى نمط متكرر يسيء إلى صورة الصحافة ويُفقدها الكثير من مصداقيتها.

    قبل سنوات، كان الصحفي يُنظر إليه باعتباره صوت الحقيقة، شخصًا يتحرى الدقة، وينأى بنفسه عن المهاترات.

    لكن اليوم، تغير المشهد، وأصبح بعض الإعلاميين أكثر اهتمامًا بتصفية حساباتهم الشخصية من الاهتمام بقضايا الجمهور، لا يمر يوم دون أن نجد منشورات حادة على فيسبوك أو تغريدات لاذعة على تويتر، يهاجم فيها صحفي زميلًا له، أو يتهمه بالتحامل والانحياز، وأحيانًا يُلمّح إلى وجود “أجندات خفية” أو “تمويلات مشبوهة“.

    هذا الانزلاق لا يُضعف فقط صورة الإعلامي المتورط فيه، بل يهز ثقة الجمهور في الإعلام ككل.

    لنأخذ مثالًا قريبًا.. قبل فترة قصيرة، تابع الرأي العام المغربي جدلًا محتدمًا بين إعلاميين معروفين، تحوّل من نقاش حول موضوع سياسي إلى حملة اتهامات شخصية متبادلة، تبعها كشف لمراسلات خاصة وتسريبات غير مهنية.

    لم يعد الخلاف يدور حول قضية تهم المجتمع، بل أصبح سباقًا نحو تشويه السمعة، هذه المشاهد لا تختلف كثيرًا عن المناوشات التي نشاهدها بين المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها أكثر خطورة حين تأتي من أشخاص يُفترض أنهم حراس الحقيقة.

    عندما يرى الجمهور هذه المشاهد، فإنه يفقد الثقة في الجميع، كيف يمكن أن نطلب من المتلقي أن يصدق الأخبار التي ينقلها الصحفي، وهو يرى هذا الصحفي نفسه منشغلًا بتصفية حساباته؟ كيف يمكن الحديث عن المهنية في ظل هذا السلوك؟ المشكلة الأكبر أن هذه الصراعات تفتح الباب أمام محاولات التضييق على حرية الإعلام، إذ تستغل بعض الجهات هذا الفوضى لتبرير فرض قيود جديدة على الصحافة، بحجة ضبط المجال ومنع “الإساءة والتشهير“.

    إنقاذ ما يمكن إنقاذه يتطلب وقفة حقيقية، قبل أن تتحول المهنة إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها.

     الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة لضمان استمرار الصحافة في أداء دورها بجدية.

    الحل يبدأ من التمسك بميثاق الشرف الإعلامي، واحترام زملاء المهنة حتى في حالة الاختلاف، لا أحد يطلب من الصحفيين أن يكونوا متفقين دائمًا، فالاختلاف في الرأي طبيعي، بل ضروري، لكنه يجب أن يظل في إطاره المهني، دون أن يتحول إلى صراع شخصي يفقد الجميع احترامهم.

    كما أن على الجمهور دورًا في هذه المعادلة، عندما يرفض المتابعون التفاعل مع هذه المعارك، وعندما يتوقفون عن تداول المنشورات التي تحرض على الكراهية بين الإعلاميين، فإن هذه السلوكيات ستتراجع تلقائيًا.

     الصحافة ليست حلبة صراع، بل هي مهنة تقوم على نقل الحقيقة وخدمة المصلحة العامة، وكلما ابتعد الإعلامي عن هذا الهدف، كلما اقترب من أن يصبح مجرد شخصية مثيرة للجدل، دون قيمة حقيقية تُذكر.

  • حين يتحول الاعتراف بـ”الفساد” إلى فقرة ترفيهية على الهواء!

    حين يتحول الاعتراف بـ”الفساد” إلى فقرة ترفيهية على الهواء!

    في الآونة الأخيرة، أثارت تصريحات متفرقة لعدد من المسؤولين الحكوميين ردود فعل واسعة، خاصة بعد أن تم بثها في برامج حوارية على قنوات عمومية وخاصة، خلال ساعات الذروة، حيث تحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة.

    وزير التجهيز والماء، نزار بركة، قال في حديثه لبرنامج “نقطة إلى السطر” على القناة الأولى، إن الحكومة خصصت حوالي 13 مليار سنتيم لدعم استيراد الأغنام خلال سنة 2023، بهدف مواجهة ارتفاع أسعار الأضاحي وضمان توازن السوق.

    غير أن الوزير نفسه أقر بأن بعض المستوردين لم يلتزموا بالسقف السعري المرجو، مما أدى إلى بيع الأضاحي بأسعار “غير معقولة”، وفق تعبيره، رغم الاستفادة من الدعم العمومي.

    وبعد أيام فقط، خرج وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، في برنامج حواري على قناة ميدي1 تيفي، ليكشف بأن 18 فاعلًا فقط يتحكمون في سوق اللحوم بالمغرب، مشيراً إلى أن هذا التركّز الكبير في أيدي عدد محدود من المتدخلين يؤثر سلبًا على المنافسة والأسعار.

    هاتان الشهادتان، الصادرتان عن مسؤولين ينتميان لحزب سياسي مشارك في الحكومة، تفتحان الباب أمام تساؤلات مشروعة من طرف الرأي العام: هل يكفي الاعتراف بوجود اختلالات من هذا النوع دون تحديد المسؤوليات أو الإعلان عن إجراءات تصحيحية؟ وأين دور الأجهزة الرقابية في ضمان التزام المستفيدين من الدعم العمومي بشروطه؟

    صحيح أن الحديث العلني عن هذه الإشكالات يُمكن أن يُحسب ضمن خانة “الشفافية”، لكنه يصبح مثار قلق عندما لا يتبعه تفعيل آليات المساءلة. فالتصريحات تبقى في نهاية المطاف كلامًا إعلاميًا ما لم تُترجم إلى سياسات إصلاح ومحاسبة واضحة.

    من جهة أخرى، لا يمكن فصل هذه المعطيات عن سياق اجتماعي واقتصادي يتسم بتصاعد كلفة المعيشة، وتراجع القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنين.

    لذلك، فإن الشفافية المطلوبة اليوم ليست فقط في كشف الاختلالات، بل في تقديم توضيحات دقيقة للرأي العام حول الإجراءات المتخذة لتصحيحها، وتحديد الجهات المسؤولة عنها، في إطار دولة القانون والمؤسسات.

    إن ثقة المواطنين في مؤسساتهم تتعزز حين يرون أن المال العام يُصرف وفق ضوابط شفافة، وأن أي خلل في التدبير يُواجه بالحزم اللازم، دون انتقائية أو تساهل.

    وفي انتظار خطوات عملية تعيد الاعتبار لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، تبقى هذه التصريحات مجرد إشارات إنذار، لا ينبغي أن تمر دون تمحيص وتدقيق، بعيدًا عن الإثارة أو التهوين.

  • انحرافات الجيل الجديد تهدد إرث حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.. نداء لإحياء مدرسة القيم والمبادئ

    انحرافات الجيل الجديد تهدد إرث حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.. نداء لإحياء مدرسة القيم والمبادئ

    بدأت تساؤلات تُطرح داخل الأوساط السياسية والمهتمة بالشأن العام حول مصير حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعد أن طفت على السطح ممارسات وتصرفات لبعض المنتمين الجدد تتناقض مع المسار التاريخي لهذا التنظيم الوطني العريق.

    فالحزب الذي ساهم بفعالية في رسم معالم المغرب الحديث، من خلال مواقفه النضالية وتضحيات مناضليه، يواجه اليوم تحديًا داخليًا لا يقل خطورة عن التحديات التي واجهها في محطات تاريخية مفصلية.

    وفي موقف تصعيدي، أعلنت الشبيبة الاتحادية بفرنسا رفضها لأي وصاية داخلية أو خارجية تُفرض على الحزب، مشددة على ضرورة طي صفحة إدريس لشكر بعد ثلاث ولايات متتالية على رأس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

    ووجهت الشبيبة انتقادات لاذعة للكاتب الأول للحزب، متهمة إياه بالسلطوية وتفكيك القيادة الجماعية لصالح حكم فردي مطلق، أدى إلى إفراغ الحزب من هويته النضالية وتسليمه إلى أصحاب المصالح والمفسدين.

    كما تساءلت عن سبب استمرار المكتب السياسي في التزام الصمت تجاه العشرات من الوافدين الجدد، الذين تم منحهم التزكية خلال انتخابات 2021، رغم أن بعضهم متابع قضائيًا بتهم تبديد الأموال العامة، الفساد والتزوير.

    في سياق سياسي واجتماعي يتسم بالتحول السريع، بدأت ملامح اختلال في الخط النضالي للحزب تبرز من خلال سلوكيات لا تنسجم مع المبادئ التي تأسس عليها، كالدفاع عن العدالة الاجتماعية، والالتزام بقيم الحرية والكرامة، والتجذر في هموم الشعب.

    لقد كان الحزب الاتحادي، منذ نشأته، أكثر من مجرد تنظيم سياسي، هو مدرسة فكرية واجتماعية، خرجت من رحم الحراك الوطني ضد الاستعمار، وساهمت في بلورة الوعي الديمقراطي في المغرب.

    وقد ارتبط اسمه بمحطات بارزة في التاريخ الوطني، أبرزها المساهمة في صياغة أولويات المرحلة بعد الاستقلال، والمطالبة بإصلاحات دستورية وهيكلية، والدفاع عن التعددية السياسية في وجه الهيمنة.

    لا يمكن الحديث عن تاريخ الحزب دون استحضار أسماء مثل عبد الرحيم بوعبيد، المهدي بن بركة، عبد الرحمن اليوسفي، وفتح الله ولعلو، وغيرهم من القادة الذين شكلوا ضميرًا وطنيًا حيًا، وجعلوا من الحزب مرجعًا في النضال من أجل الديمقراطية الاجتماعية والعدالة الاقتصادية، وساهموا في بناء دولة المؤسسات، رغم ما تعرضوا له من مضايقات واعتقالات وملاحقات سياسية في سنوات الرصاص.

    في هذا الإطار، تحضر الذاكرة السياسية الوطنية بموقف عبد الرحيم بوعبيد الشجاع، حين رفض بشجاعة في بداية الثمانينات قرار الملك الراحل الحسن الثاني بخصوص قضية الصحراء، مؤكدًا على ضرورة الاحتكام إلى استفتاء شعبي، وهو الموقف الذي كلفه الاعتقال، لكنه كرّسه في وجدان المغاربة كرمز للالتزام المبدئي.

    كما لا يُنسى الدور المحوري الذي لعبه عبد الرحمن اليوسفي في الانتقال الديمقراطي، حين قبل بقيادة حكومة التناوب أواخر التسعينات، في تجربة سياسية فريدة ساهمت في تكريس منطق التداول السلمي على السلطة.

    لكن هذه المواقف النبيلة والمبادئ التي تربى عليها المناضلون الاتحاديون، هي نفسها التي تتعرض اليوم للتهديد من داخل الحزب، حين يُقدم بعض الأعضاء على ممارسات تسيء لتاريخه، وتشوه صورة تنظيمٍ كان ولا يزال في أعين كثيرين ضميرًا وطنيًا.

    الانزياحات الحالية لا تقف عند حدود الخطاب، بل امتدت إلى الممارسة، حيث سُجلت حالات من الشعبوية والانتهازية، والخروج عن الضوابط الأخلاقية في التعاطي مع الشأن الحزبي، وحتى في السلوكيات الشخصية التي صارت تُحاسب من منظور الرصيد الرمزي للحزب.

    هذا الوضع المقلق دفع بعدد من الغيورين على المسار الاتحادي إلى رفع نداء مفتوح إلى كل من تخرّج من هذه المدرسة السياسية، من أجل استعادة البوصلة، والرجوع إلى الجذور الفكرية والنضالية للحزب.

    فالانتماء إلى الحزب الاتحادي لم يكن يومًا مرادفًا للجاه أو التموقع، بل كان التزامًا أخلاقيًا ومشروعًا نضاليًا يتجاوز الفرد إلى الجماعة، ويتجاوز اللحظة إلى التاريخ.

    النداء ذاته يُعد بمثابة صرخة لإعادة بناء الثقة بين الحزب ومحيطه المجتمعي، خاصة أن المغرب اليوم يعيش تحولات كبرى تستدعي وجود تنظيمات سياسية قوية ومبدئية، قادرة على لعب أدوار الوساطة والاقتراح، بدل الانغماس في منطق التسويات الظرفية أو الركض وراء المكاسب السريعة.

    وفي ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتقلبة، والمطالب المتصاعدة من الشباب في ما يخص العدالة الاجتماعية والكرامة والحقوق، تبدو الحاجة ملحّة إلى حزب من طينة الحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية شريطة أن يستعيد قوته الفكرية والتنظيمية، ويُصلح ما اختلّ في داخله، ويعيد الاعتبار لتاريخه المشرّف.

    المعركة اليوم ليست فقط من أجل الدفاع عن إرث سياسي، بل من أجل الحفاظ على مدرسة وطنية أنجبت قادة ومفكرين ومناضلين شكلوا وجه المغرب الحديث، وساهموا في ترسيخ مفاهيم الدولة الحديثة. إنها معركة وعي ومسؤولية أمام الأجيال القادمة، كي لا يُختزل الحزب في مجرد اسم، بل يبقى عنوانًا للقيم، ومنارة سياسية تعيد الثقة في العمل الحزبي النبيل.

  • المضاربون ومن يدعمهم: خونة الوطن في زمن الغلاء

    المضاربون ومن يدعمهم: خونة الوطن في زمن الغلاء

    في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن المغربي اليوم، أصبح غلاء المعيشة يشكل تحديًا كبيرًا للكثير من الأسر. من دون شك، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الوقود، ومواد البناء، وغيرها من الأساسيات، قد ألقى بظلاله على حياة المواطن البسيط، الذي يجد نفسه في مواجهة حقيقية مع تكاليف الحياة.

    لكن هل فكرنا يومًا في السبب الحقيقي وراء هذه الزيادة في الأسعار؟ الجواب هو: المضاربون ومن يدعمهم.

    من هم المضاربون؟

    المضاربون هم أشخاص أو جهات تقوم بشراء السلع الأساسية بكميات ضخمة من الأسواق أو المخازن، ثم تقوم بتخزينها أو عرضها بأسعار مرتفعة، مما يؤدي إلى زيادة غير مبررة في الأسعار. هدفهم ببساطة هو تحقيق ربح سريع على حساب المواطن الذي لا حول له ولا قوة. قد لا تقتصر هذه الممارسات على المواد الغذائية فقط، بل تشمل أيضًا مواد البناء، الأدوية، وحتى الوقود. ما يفعله المضاربون هو استغلال الظروف الاقتصادية والضغط الاجتماعي لرفع الأسعار في وقت حساس، مما يضاعف معاناة المواطنين.

    خيانة للوطن والمواطنين

    المضاربون لا يفكرون في مصلحة الوطن ولا في مصلحة الشعب. هم فقط يبحثون عن مصالحهم الخاصة، حتى وإن كانت على حساب قوت المواطنين.

    هذا النوع من التصرف هو خيانة للوطن، لأنه يتسبب في زيادة معاناة المواطنين في وقت يعانون فيه من ارتفاع الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة اليومية.

    والأسوأ من ذلك، أن هؤلاء المضاربين لا يواجهون عقوبات حقيقية، بل في بعض الأحيان يحظون بدعم أو تواطؤ من جهات قد تكون لديها مصالح مشابهة، أو تكتفي بالصمت في وجه هذا الاستغلال غير الأخلاقي.

    من يدعم هؤلاء؟

    للأسف، نجد أن بعض الجهات، سواء كانت شركات أو أفرادًا في مواقع المسؤولية، قد يكون لهم دور غير مباشر في دعم هذه الأنشطة.

    قد يكون ذلك بسبب ضعف الرقابة، أو بسبب المصالح المشتركة التي تجمع بين البعض والمضاربين. إن هذه الممارسات تجعل المواطن يشعر بالخذلان، خاصة عندما يرى من يفترض أن يكونوا حماة الاقتصاد الوطني يتجاهلون معاناته.

    ماذا عن دور الحكومة؟

    من الطبيعي أن يتساءل المواطن: لماذا لا تتدخل الحكومة لوقف هذه الممارسات؟ في الحقيقة، هناك جهود تُبذل في بعض الأحيان من قبل الحكومة لضبط الأسواق ومحاربة هذه الظاهرة، ولكن هذه الجهود غالبًا ما تكون محدودة وغير كافية لمواجهة الارتفاعات الجنونية للأسعار.

    الرقابة على الأسواق ضعيفة، والعقوبات على المضاربين غير رادعة، مما يسمح لهم بالاستمرار في عملياتهم المدمرة. كان من الأفضل أن تقوم الحكومة بتطبيق سياسات أكثر صرامة في مراقبة الأسواق، مع تشديد العقوبات على من يثبت تورطهم في رفع الأسعار بشكل غير قانوني.

    مصلحة الوطن أولًا

    يجب أن نتذكر دائمًا أن مصلحة الوطن لا تتجسد فقط في رفع الأعلام أو التحدث عن الوحدة الوطنية في المناسبات، بل تكمن في حماية المواطن من أية ضغوط قد تتسبب في تدمير قدرته على العيش الكريم. والمضاربون الذين يرفعون الأسعار دون مبرر يعتبرون من أكبر الخونة لهذا الوطن، لأنهم يبيعون مصلحة الشعب بأبخس الأثمان. هؤلاء لا يكتفون فقط بالربح المادي، بل يؤثرون في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مما يهدد النسيج الوطني.

    الدور الذي يجب أن يلعبه المواطن

    رغم أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة والمؤسسات الرقابية، فإن للمواطن أيضًا دورًا هامًا في محاربة هذه الظواهر. يمكن للمواطن أن يساهم في دعم اقتصاد بلاده من خلال الاستهلاك الواعي، وعدم الوقوع في فخ المضاربين الذين يرفعون الأسعار. أيضًا، من المهم أن يتعاون المواطن مع الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق المستهلك للمطالبة بتطبيق قوانين صارمة لحماية حقوقه.

    المضاربون ومن يدعمهم ليسوا فقط تجارًا جشعين، بل هم خونة للوطن، لأنهم يسعون لتحقيق أرباحهم على حساب معاناة المواطنين. يجب على الجميع، من حكومة ومواطنين، أن يتحدوا لمكافحة هذه الظاهرة التي تهدد استقرار المجتمع. فقط من خلال التعاون والوعي الجماعي يمكننا حماية وطننا من هذه الخيانة الاقتصادية التي تؤثر على قوتنا وحياتنا اليومية.

  • بائع السردين بـ 5 دراهم الذي أُغلق محله لأنه “لم يعلّق لائحة الأسعار” و”ظروف التبريد غير سليمة”

    بائع السردين بـ 5 دراهم الذي أُغلق محله لأنه “لم يعلّق لائحة الأسعار” و”ظروف التبريد غير سليمة”

    في قصة تبدو وكأنها مأخوذة من رواية ساخرة، تحول بائع سردين بسيط في مراكش إلى رمز لمقاومة الاحتكار و”الشناقة”، ليس لأنه ارتكب مخالفات، بل لأنه رفض المشاركة في لعبة الاحتكار التي يستفيد منها الوسطاء على حساب المستهلكين.

    عبد الإله، الشاب الذي قرر بيع السردين بسعر عادل دون مضاعفة ثمنه، وجد نفسه في مواجهة لجنة اختارت إغلاق محله بدلًا من محاربة المضاربة و”الشناقة”.

    بدأت القصة عندما لاحظ الزبائن أن أسعار عبد الإله كانت معقولة مقارنة بباقي الباعة، سرعان ما انتشر الخبر، وأصبح محله وجهة للكثيرين الذين سئموا من الأسعار المبالغ فيها، لكن هذا النجاح لم يرق للبعض، فتحركت آلة الرقابة ضده.

    جاءت “اللجان المختلطة” وبدأت تفتيش المحل تحت ذرائع واهية.. “لم يعلّق لائحة الأسعار”، “ظروف التبريد غير سليمة”، “النظافة مشكوك فيها”، وفي النهاية، أُغلق المحل، ليس لأنه كان يبيع سمكًا فاسدًا أو يغش الزبائن، بل لأنه كشف أن الأسعار العادلة ممكنة!

    المفارقة أن هذه الذرائع كانت مجرد ستار لإخفاء السبب الحقيقي.. عبد الإله كان يهدد مصالح وسطاء كبار يتحكمون في سوق السمك.

     لقد فضح كيف أن الأسماك التي تُباع في الموانئ بأسعار زهيدة تصل إلى المستهلكين بأسعار مضاعفة بعد أن تمر عبر سلسلة من المضاربين الذين يستفيدون من هذه الفوضى، وهكذا، كشف أن المشكلة ليست في العرض والطلب، بل في من يتحكم فيهما.

    السؤال الذي يطرح نفسه.. أين كانت هذه اللجان عندما كان المواطنون يشتكون من الأسعار الخيالية؟ ولماذا تتحرك الأجهزة الرقابية فقط عندما يُهدد أحدهم مصالح كبار المضاربين؟.

    ورغم إغلاق محله، لم تُدفن قصة عبد الإله، بل انتشرت على نطاق واسع وأصبحت رمزًا لمقاومة الاحتكار.

     الرسالة التي أرسلها واضحة.. أي محاولة لكسر قواعد الاحتكار ستواجه بالقمع، لكن هل ستُسكت هذه الرسالة الجميع؟ أم أن هناك من سيتبع خطاه ويواصل التحدي؟

    ما حدث ليس مجرد إغلاق محل بسيط، بل هو إغلاق لحلم العدالة الاقتصادية في بلد يعاني من تفشي الاحتكار والمضاربة… قصة عبد الإله تذكرنا بأن التغيير يبدأ بخطوة شجاعة، حتى لو كان ثمنها غاليًا.

  • النضج السياسي.. بين شرعية الانتخابات وحكمة التدبير

    النضج السياسي.. بين شرعية الانتخابات وحكمة التدبير

    الانتخابات تمنح الفائزين شرعية التمثيل، لكنها لا تضمن بالضرورة توفرهم على النضج السياسي اللازم لحسن تدبير الشأن العام، فكثير من المسؤولين المحليين يصلون إلى مواقع القرار تحت مظلة الأحزاب، لكنهم يفتقرون إلى رؤية استراتيجية، ويديرون الأمور بعقلية فردية أو فئوية، في حين يبرز آخرون يمتلكون الوعي السياسي الكافي لخدمة المجتمع، حتى دون أن يكونوا منتمين إلى حزب سياسي. فما هو النضج السياسي؟ وكيف يؤثر على تدبير الشأن العام؟

    ما هي السياسة ومن هو السياسي؟

    السياسة، كما يعرفها الفيلسوف أرسطو، هي “فن حكم المجتمعات وإدارة شؤونها بما يحقق الخير العام”، أما عالم الاجتماع ماكس فيبر، فيرى أن السياسة هي “السعي للسلطة، سواء كغاية بحد ذاتها أو كوسيلة لتحقيق أهداف أخرى”.

     من هذا المنطلق، فالسياسي هو الشخص الذي يمتلك القدرة على فهم التوازنات المجتمعية، وتحليل القضايا العامة، واتخاذ قرارات تتجاوز المصلحة الشخصية نحو تحقيق الصالح العام.

    لكن هذا التعريف لا ينطبق على جميع من يمارسون السياسة، إذ أن كثيرًا من المنتخبين يدخلون المعترك السياسي بحثًا عن النفوذ أو الامتيازات، دون امتلاك رؤية واضحة لمتطلبات الحكم الرشيد. وهنا يبرز مفهوم النضج السياسي كعنصر أساسي في تحديد جودة الأداء السياسي، بغض النظر عن الانتماء الحزبي.

    النضج السياسي.. وعي قبل الانتماء

    يرى المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي أن “السياسة ليست مجرد ممارسة للسلطة، بل هي أداة لبناء الوعي الجماعي”.

    وهذا ما يميز السياسي الناضج عن غيره؛ فهو يدرك أن النجاح لا يقاس فقط بعدد الأصوات التي يحصل عليها، بل بمدى قدرته على تحويل الأفكار إلى مشاريع تعود بالنفع على المجتمع.

    النضج السياسي لا يُكتسب بين ليلة وضحاها، بل هو حصيلة تراكمات معرفية وتجارب عملية، تتطلب وعيًا مستمرًا، واحتكاكًا بالواقع، واستيعابًا لمبادئ الديمقراطية والتدبير الرشيد. فمن يمتلك هذا النضج ينظر إلى السياسة كفن لخدمة المجتمع، وليس كأداة لتحقيق مكاسب ضيقة.

    بين الانتخابات والواقع.. الفجوة المستمرة

    يلاحظ العديد من المحللين أن الانتخابات، رغم كونها آلية ديمقراطية، لا تضمن بالضرورة وصول النخب الأكثر كفاءة إلى مواقع القرار، فالعملية الانتخابية كثيرًا ما تُختزل في التنافس حول الشعارات واستمالة الناخبين بوعود آنية، بدل التركيز على المشاريع الواقعية التي تخدم التنمية.

    في كتابه “صعود وسقوط القوى العظمى”، يشير المؤرخ بول كينيدي إلى أن “التحدي الحقيقي للدول لا يكمن في انتخاب القادة، بل في قدرتهم على إدارة شؤون الدولة بفعالية بعد وصولهم إلى السلطة”. وهذا ما يجعل النضج السياسي ضرورة لضمان تدبير ناجح يحقق الاستقرار والتقدم.

    المجتمع الواعي يصنع سياسيين ناضجين

    الوعي السياسي لا يقتصر على السياسيين فقط، بل يشمل المجتمع ككل، لأن مجتمعات واعية تفرز نخبًا سياسية ناضجة.

    وكما يقول المفكر نعوم تشومسكي، فإن “السياسة ليست فقط ما يفعله السياسيون، بل هي أيضًا ما يسمح لهم المواطنون بفعله”. لذلك، فبناء وعي سياسي جماعي مسؤولية مشتركة بين المواطنين، والإعلام، والنخب المثقفة.

    نحو تدبير سياسي أكثر نضجًا

    النضج السياسي ليس ترفًا، بل هو أساس لضمان تدبير رشيد يحقق التنمية بدل أن يكون مجرد امتداد لمعادلات انتخابية عابرة. فالمسؤولية السياسية تقتضي امتلاك رؤية واضحة، واتخاذ قرارات متوازنة، والابتعاد عن الشعبوية التي تركز على كسب التأييد أكثر من تحقيق المنجزات.

    إن بناء مجتمع سياسي ناضج يتطلب إصلاحًا ثقافيًا وتعليميًا عميقًا، يعزز قيم المسؤولية والشفافية، ويجعل من السياسة أداة لخدمة المواطن، وليس ساحة للصراعات الشخصية أو الحزبية.


  • إقصاء الإعلاميين في افتتاح ملعب المسيرة بتزنيت.. سياسة التمييز التي لا تخدم أحدًا

    إقصاء الإعلاميين في افتتاح ملعب المسيرة بتزنيت.. سياسة التمييز التي لا تخدم أحدًا

    في خطوة أثارت استياء واسعًا، تم إقصاء الإعلاميين والمنتمين للإعلام المحلي والجهوي من تغطية حدث افتتاح ملعب المسيرة بتزنيت، وهو ما يعكس سياسة تمييزية غريبة من قبل المسؤولين.

    هذا التصرف لا يدل فقط على عدم تقدير لدور الإعلام، بل يكشف أيضًا عن “ندى كرة” هؤلاء المسؤولين تجاه هذا الجسم الحيوي الذي يلعب دورًا محوريًا في نقل الحقائق ومراقبة الأداء العام.

     فهل كانت هناك رسالة خفية أراد المسؤولون إرسالها؟ أم أن الأمر مجرد انعكاس لسياسة “هذا صاحبي، والآخر عدوي” التي لا تخدم مصلحة المدينة ولا حتى مصلحة المسؤولين أنفسهم؟

    الإقصاء المتعمد: رسالة غير مباشرة

    إقصاء الإعلاميين من حدث بهذه الأهمية ليس مجرد خطأ تنظيمي، بل هو رسالة واضحة تعكس نظرة دونية لدور الإعلام، فبدلًا من اعتبار الإعلام شريكًا في إنجاح الفعاليات ونقل الصورة الحقيقية للجمهور، تم التعامل معه كطرف غير مرغوب فيه، هذا التصرف يطرح تساؤلات كبيرة عن نوايا المسؤولين: هل هم خائفون من النقد؟ أم أنهم يفضلون العمل في الظل بعيدًا عن أعين المراقبين؟

    سياسة “الصاحب والعدو”: عدوى لا تفيد أحدًا

    ما حدث يؤكد وجود سياسة تمييزية تعتمد على منطق “هذا صاحبي، والآخر عدوي”، وهي سياسة عفى عليها الزمن ولا تخدم أي مصلحة عامة.

    فبدلًا من تعزيز الشفافية والانفتاح، يتم تعميق الفجوة بين المسؤولين والإعلام، مما ينعكس سلبًا على مصداقية الفعاليات وسمعة المدينة ككل، هذه السياسة لا تؤذي الإعلاميين فقط، بل تضر أيضًا بسمعة المسؤولين أنفسهم، الذين يظهرون وكأنهم يخشون النقد ويفضلون العمل في بيئة مغلقة.

    هل هناك عدوى حقيقية؟

    إذا كان المسؤولون يعتقدون أن إقصاء الإعلاميين سيحميهم من “عدوى” النقد أو المساءلة، فإنهم مخطئون تمامًا، ففي عصر التواصل الفوري ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد بالإمكان إخفاء الحقائق أو التحكم في الرواية بشكل كامل.

    الإقصاء لن يؤدي إلا إلى زيادة الشكوك وترسيخ صورة سلبية عن الإدارة، مما يفاقم أزمة الثقة بين المسؤولين والجمهور.

    الخاسر الأكبر: المدينة وسمعتها

    في النهاية، الخاسر الأكبر من هذه السياسة التمييزية هي المدينة نفسها.

    فبدلًا من أن يكون افتتاح ملعب المسيرة بتزنيت مناسبة لإبراز الإنجازات وتعزيز صورة المدينة، تحول إلى حدث أثار الجدل والانتقادات، الإعلاميون، الذين كان من المفترض أن يكونوا شركاء في نقل هذا الإنجاز، تم استبعادهم بشكل تعسفي، مما أثار تساؤلات عن مدى مصداقية الحدث نفسه.

    رسالة إلى المسؤولين: التمييز لا يخدم أحدًا

    إذا كان المسؤولون يريدون فعلاً خدمة مصلحة المدينة وتحسين صورتها، فعليهم التوقف عن سياسة التمييز والإقصاء.

    الإعلام ليس عدوًا، بل شريكًا أساسيًا في بناء الثقة وتعزيز الشفافية، إقصاء الإعلاميين لن يحمي المسؤولين من النقد، بل سيزيد من حدة الانتقادات ويوسع الفجوة بينهم وبين الجمهور.

    إن ما حدث في افتتاح ملعب المسيرة تزنيت ليس مجرد خطأ تنظيمي، بل هو انعكاس لسياسة تمييزية عفى عليها الزمن.

     إذا أراد المسؤولون تحسين صورتهم وخدمة مصلحة المدينة، فعليهم مراجعة سياساتهم والتعامل مع الإعلام باحترام وشفافية، لأن التمييز والإقصاء لا يخدمان أحدًا في النهاية.

  • لعبة سياسية مكشوفة: حينما يصبح النقد أداة للتحكم في المشهد الانتخابي

    لعبة سياسية مكشوفة: حينما يصبح النقد أداة للتحكم في المشهد الانتخابي

    في مشهد سياسي مألوف ومتكرر، نشهد اليوم تلاعبًا مدروسًا بالخطاب السياسي في المغرب، حيث يتحول النقد الداخلي بين أعضاء الحكومة إلى أداة لخداع الرأي العام وضبط القاعدة الانتخابية.

    فليس من قبيل الصدفة أن يخرج وزير أو قيادي في حزب مشارك في الحكومة ليهاجم قراراتها أو ينتقد سياساتها، بينما كان جزءً أساسيًا من اتخاذ تلك القرارات.

    هذه ليست مجرد ممارسات فردية أو ردود أفعال معزولة، بل هي خطة مدروسة تهدف إلى تحقيق هدف محدد… ترسيخ فقدان الثقة في العملية السياسية ودفع المواطنين إلى العزوف عن التصويت.

     عندما يشعر المواطن بأن كل الأحزاب متشابهة، وأن الانتقادات ليست سوى مسرحيات سياسية، فإنه يفقد الحماس للمشاركة، وهذا بالضبط ما تريده أطراف معينة في المشهد السياسي.

    اللعبة المزدوجة: خطاب متناقض لخدمة هدف واحد

    الأحزاب المشكلة للتحالف الثلاثي، والتي تتحكم اليوم في الحكومة، تلعب لعبة مزدوجة بذكاء شديد.

    فمن جهة، هي المسؤولة المباشرة عن الأوضاع الحالية، بما في ذلك ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، لكنها في الوقت نفسه تحاول تقديم نفسها كجزء من المعارضة عبر انتقاد ذاتها! والهدف هنا ليس تصحيح المسار، بل زرع مزيد من الإحباط لدى المواطن المغربي، حتى يتجنب صناديق الاقتراع، مما يسمح لنفس النخبة بإعادة إنتاج نفسها بأقل تكلفة انتخابية.

    العزوف عن التصويت: الهدف الحقيقي وراء هذه المسرحيات

    كلما كان الإقبال ضعيفًا على الانتخابات، كلما أصبحت عملية التحكم في الأصوات أكثر سهولة.

    قلة المشاركة تعني أن أصواتًا قليلة يمكنها أن تصنع الفارق، مما يضمن استمرار نفس الوجوه في المشهد السياسي دون الحاجة إلى بذل مجهود حقيقي لكسب ثقة المواطنين.

    كيف نكسر هذه الحلقة؟ الحل في يد المواطن

    السبيل الوحيد لإفشال هذه الخطة هو الإقبال المكثف على التصويت.

    على المواطن المغربي أن يدرك أن العزوف لا يعاقب السياسيين الفاسدين، بل يمنحهم فرصة أكبر للاستمرار، إذا كان هناك إحباط، فيجب أن يترجم إلى مشاركة إيجابية فاعلة، لا إلى انسحاب سلبي.

    التصويت بكثافة هو السلاح الوحيد القادر على إعادة التوازن للمشهد السياسي، وفرض خيارات جديدة خارج دائرة “التحكم المسبق” التي يحاول البعض فرضها.

    هذا، ويجب أن نكون واعين بأن اللعبة السياسية ليست عشوائية، وأن الخطاب المتناقض لبعض السياسيين ليس تعبيرًا عن اختلافات حقيقية، بل هو جزء من استراتيجية مدروسة لإعادة إنتاج نفس المنظومة.

    والرد الوحيد الذي يمكن أن يربك حساباتهم هو أن يتوجه المواطنون بكثافة إلى صناديق الاقتراع، لأن قوة الناخب هي الوحيدة القادرة على كسر احتكار السلطة.

  • تهديدات قضائية من عضو جماعة تزنيت ضد الالتراس: سقطة أخلاقية وسياسية تثير الجدل

    تهديدات قضائية من عضو جماعة تزنيت ضد الالتراس: سقطة أخلاقية وسياسية تثير الجدل

    في تطور مثير للجدل، هدد عضو بجماعة تزنيت بمتابعة قضائية ضد مجموعة من شباب الالتراس، وهو سلوك وصف بالبلادة وعدم الفهم لطبيعة الثقافة الاحتجاجية التي تنتمي إليها هذه المجموعات الشبابية.

    التهديد، الذي جاء من عضو يتمتع بمستوى سياسي وعلمي محدود، أثار استياءً واسعًا، خاصةً في ظل جهله الواضح بتقاليد الالتراس الكونية، التي تُعتبر، في الغالب الأعم، حركات احتجاجية مناهضة للسلطة بمفهومها الفلسفي الواسع، سواء كانت سلطة الدولة أو الأحزاب أو المؤسسات.

    الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تخطى حدود التوقعات عندما قام رئيس جماعة تزنيت، عبد الله غازي، بمشاركة منشور العضو المثير للجدل على صفحته الشخصية على “فيسبوك”.

    هذا التصرف وُصف بالخطير والمخجل، خاصةً أن غازي يتمتع بتاريخ سياسي وإداري طويل، وكان يُفترض أن يكون أكثر وعيًا بتبعات مثل هذه التصرفات.

    مشاركة هذا “الهذيان”، كما وُصف، حوّلت صفحة غازي إلى منصة للسب والقذف السياسي، وهو ما لا يتناسب مع مكانته كرئيس جماعة وقيادي حزبي معروف.

    اللافت في الأمر أن هذه الحادثة جاءت في وقت كانت فيه السلطات الأمنية تتعامل بحكمة مع احتجاجات سلمية نظمها شباب الالتراس في المدينة.

    هذه الاحتجاجات، التي تميزت بالحضارية والتنظيم، كانت فرصة لتعزيز الحوار بين الشباب والمسؤولين، لكن تصرفات عضو الجماعة ورئيسها أثارت تساؤلات حول مدى استيعاب بعض المسؤولين لطبيعة هذه الحركات الشبابية ودينامياتها الاحتجاجية.

    عبد الله غازي، الذي يُعتبر رجل دولة ذو خبرة سياسية وإدارية واسعة، كان يُفترض أن يتبنى موقفًا أكثر حكمة، خاصةً في ظل متابعة صفحته من قبل مسؤولين ومؤسسات إعلامية.

     بدلًا من ذلك، اختار أن ينزل إلى مستوى التهديدات والخطاب العدائي، وهو ما وُصف بأنه سقطة أخلاقية وسياسية غير مسبوقة في تاريخ رؤساء جماعة تزنيت.

    في خضم هذه الأحداث، يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن لرجل دولة معروف مثل غازي أن يقع في مثل هذا الخطأ الفادح؟ يبدو أن الرئيس يحتاج إلى إعادة النظر في استراتيجيته الإعلامية، وتقبل النقد، وفهم أن الشباب الذين خرجوا للاحتجاج أمس هم أكثر صدقًا من العديد من المحيطين به، الذين قد يتركونه بمجرد تحقيق مصالحهم الشخصية.

  • الحكومة والتشكيك في الأرقام الرسمية.. حين تضيع الحقيقة بين الرواية الرسمية والواقع

    الحكومة والتشكيك في الأرقام الرسمية.. حين تضيع الحقيقة بين الرواية الرسمية والواقع

    في ظل التحالف الثلاثي الذي يضم حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وحزب التجمع الوطني للأحرار، باتت الأرقام الرسمية محط تشكيك متواصل من طرف الحكومة، ما يثير تساؤلات حول مصداقية المعطيات التي تُقدم للرأي العام ومدى توافقها مع الواقع اليومي للمواطن المغربي.

    فبينما يُفترض أن تكون المؤسسات الرسمية، مثل المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، جهات مستقلة تقدم معطيات دقيقة وشفافة، تواجه تقاريرها بالتشكيك كلما لم تتماشى مع الخطاب الرسمي.

    ويصل الأمر أحيانًا إلى اعتبار بعض هذه المعطيات غير دقيقة أو مبالغًا فيها، مما يضعف ثقة المواطنين في هذه المؤسسات التي يفترض أن تلعب دورًا رقابيًا ومرجعيًا في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي.

    هذا النهج لم يقتصر على المؤسسات الرسمية فحسب، بل امتد ليشمل النقابات التي تحذر من تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكلفة المعيشة مقارنة بمستويات الأجور، وهو ما تقابله الحكومة بتصريحات مطمئنة تؤكد أن الوضع تحت السيطرة، وأن الإصلاحات الاقتصادية ماضية في الطريق الصحيح.

    لكن الواقع اليومي للأسواق يروي قصة مختلفة، حيث يشكو المواطنون من ارتفاع مستمر في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وتكاليف المعيشة التي باتت تثقل كاهل الأسر، دون أن ينعكس ذلك على مستوى الأجور بشكل يتناسب مع هذه الزيادات.

    وفي كل مرة تتحدث النقابات عن مشاكل العمال، أو تدق ناقوس الخطر بشأن تراجع القدرة الشرائية، يأتي الرد الرسمي بالنفي والتأكيد على نجاح التدابير الحكومية في تحسين الأوضاع الاقتصادية، دون تقديم معطيات كافية لدحض ما يتم تداوله.

    هذا التناقض المتكرر يجعل المواطن في حيرة من أمره، غير قادر على معرفة الحقيقة وسط تصريحات متضاربة.

    من جهة أخرى، تجد الأحزاب المعارضة نفسها في موقف صعب، إذ كلما قدمت معطيات أو أرقامًا لا تتماشى مع الخطاب الحكومي، يتم اتهامها بالمزايدة السياسية والتضليل.

    ورغم أن بعض هذه الأحزاب تعتمد على دراسات وتقارير من مؤسسات مستقلة، إلا أن التشكيك في مصادرها أصبح نهجًا معتمدًا لتقويض مصداقيتها، هذا الأمر يعمّق أزمة الثقة بين المواطن والسياسيين، حيث لم يعد يعرف لمن يستمع وأي الأرقام يعوّل عليها.

    أما المواطن المغربي، فهو الحلقة الأضعف في هذا المشهد، إذ يجد نفسه أمام تضارب مستمر في المعلومات، بين أرقام رسمية تُعلن ثم تُشكك، وبين معطيات نقابية تُهمش، وبين خطابات سياسية متناقضة.

     هذا الواقع يخلق حالة من الإحباط والتشكيك في أي مصدر للمعلومة، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في القرارات والسياسات الحكومية، خاصة في ظل عدم تقديم توضيحات شفافة يمكن أن تزيل هذا اللبس.

    وسط هذا التضارب، يبرز تساؤل جوهري.. كيف يمكن للمواطن التمييز بين الحقيقة والتضليل؟ وإذا كانت المؤسسات الرسمية نفسها لم تعد محصنة من التشكيك، فكيف يمكن بناء ثقة حقيقية في القرارات والسياسات الحكومية؟

     إلى حين تقديم إجابات مقنعة، سيظل المغربي عالقًا بين خطابين متناقضين، يبحث عن الحقيقة التي قد تكون أكبر ضحايا هذا المشهد السياسي، في انتظار لحظة تكون فيها الأرقام مرآة صادقة للواقع، لا مجرد أداة لتبرير السياسات.   

  • رشيد الطالبي العلمي في مواجهة التناقضات: حين اعتُبر الانسحاب خيانة.. فماذا عن غياب 291 نائبًا؟

    رشيد الطالبي العلمي في مواجهة التناقضات: حين اعتُبر الانسحاب خيانة.. فماذا عن غياب 291 نائبًا؟

    في خطوة قد تثير الكثير من التساؤلات حول مصداقية الخطاب السياسي في المغرب، يُطرح اليوم تساؤل محير حول تصرف رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، الذي سبق له أن اعتبر أن “الانسحاب من التصويت على مشروع قانون ينظم ممارسة حق الإضراب، هو خيانة للسيادة الوطنية”.

    الطالبي العلمي، الذي يعكس في هذا التصريح صورة السلطة التشريعية باعتبارها التمثيل الحي للسيادة الوطنية، شدد في وقت سابق على أن البرلمانيين، بصفاتهم التمثيلية، يجب أن يمارسوا صلاحياتهم خدمة لمصلحة الشعب، مستندًا إلى الدستور الذي يربطهم مباشرة بالأمة.

    لكن في اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025، وعند التصويت على مشروع قانون الإضراب في القراءة الثانية، فوجئنا بغياب 291 برلمانيًا عن الجلسة، رغم موافقة 84 عضوًا على مشروع القانون ومعارضة 20 عضوًا.

    هذا العدد الكبير من المتغيبين أثار الجدل، لاسيما وأن أغلب هؤلاء المتغيبين ينتمون لحزب الطالبي العلمي نفسه، حزب التجمع الوطني للأحرار.

    هنا يبرز التناقض بشكل لافت؛ كيف يمكن لرئيس مجلس النواب أن يطالب النواب بالتصويت حرصًا على التمثيل الأمين للسيادة الوطنية، ثم يعجز عن تبرير غياب مئات من زملائه في هذا السياق الحساس؟ هل هؤلاء المتغيبون لا يعبرون عن الأمة كما هو مفترض؟ أم أن غيابهم يُظهر في واقع الأمر موقفًا ضمنيًا من مشروع القانون دون أن يتمكنوا من الإعلان عنه صراحة؟ أم أنهم محسوبون، هم أنفسهم، في عداد المضربين؟

    في الواقع، ما يحدث اليوم يسلط الضوء على مشكلة عميقة في الخطاب السياسي المغربي، التناقض بين ما يُقال وما يُفعل.

    إذا كان الطالبي العلمي يصف الانسحاب عن التصويت بـ”الخيانة”، فما هو تفسيره لغياب 291 برلمانيًا، وهم الذين يجب عليهم تمثيل الشعب في اتخاذ قرارات مصيرية؟ أليس ذلك نوعًا من التهرب السياسي، رغم أن بعض هؤلاء المتغيبين ينتمون إلى الحزب الذي ينتمي إليه الطالبي العلمي؟

    الخطاب السياسي اليوم بات يحتاج إلى مراجعة دقيقة، فبين تصريحات تحمل طابع الوطنية والتمثيل الحي، وبين أفعال تترجم التخلي عن المسؤولية، يصبح من الضروري أن يواجه المسؤولون السياسيون هذا التناقض، ويقدموا تفسيرات حقيقية بعيدة عن التبريرات المعتادة التي تضر بمصداقية المؤسسات.

  • أخنوش يغازل لشكر سياسيًا.. تحالف مفاجئ أم مناورة انتخابية؟

    أخنوش يغازل لشكر سياسيًا.. تحالف مفاجئ أم مناورة انتخابية؟

    في خطوة أثارت الجدل، وجه رئيس الحكومة عزيز أخنوش إشادة غير متوقعة لحزب الاتحاد الاشتراكي خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، واصفًا أداء نوابه بـ”المعارضة البناءة” التي تقدم مقترحات مفيدة للحكومة.

     هذا التصريح، الذي قد يبدو ٠للبعض مجاملة عادية، يراه مراقبون إشارة واضحة إلى إدريس لشكر، زعيم الاتحاد الاشتراكي، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات.

    جاءت هذه الإشادة بعد أيام قليلة من هجوم قوي شنه لشكر على أحد قياديي حزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار، مما زاد التوتر بين الحزبين.

     لكن بدل الرد بالمثل، اختار أخنوش أسلوب التهدئة، مما يفتح الباب للتساؤل.. هل يسعى إلى كسب ود الاتحاد الاشتراكي تحضيرًا لتحالف مستقبلي، أم أنها مجرد مناورة سياسية تهدف لتحقيق مكاسب معينة؟

    مع اقتراب الانتخابات، تسعى الأحزاب الكبرى إلى تعزيز مواقعها وإعادة ترتيب تحالفاتها لضمان موقع قوي في المشهد السياسي المقبل.

    وفي هذا السياق، قد يكون تقارب أخنوش مع لشكر خطوة محسوبة لتوسيع قاعدته السياسية، خاصة إذا تراجعت بعض الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية في الانتخابات القادمة.

    كما أن هذا التقارب قد يكون مجرد تكتيك سياسي لاحتواء أي تصعيد محتمل، خاصة بعد الخلافات التي ظهرت مؤخرًا بين الطرفين.

    تصريحات أخنوش تحمل عدة رسائل سياسية، أهمها إظهار استعداده للتعامل مع المعارضة المعتدلة، وإمكانية فتح قنوات للحوار والتعاون مع الاتحاد الاشتراكي مستقبلاً.

     لكن يبقى السؤال مطروحًا..هل هذه الإشادة مقدمة لتحالف غير متوقع بين الحزبين، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية ستنتهي بانتهاء الانتخابات؟

Exit mobile version