زيارة غير متوقعة تهز الإدارة العمومية في الغابون

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

أثارت الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الغابون، صباح الاثنين الماضي، إلى مقر وزارة الوظيفة العمومية موجة واسعة من النقاش داخل الأوساط السياسية والإدارية، بعدما كشفت عن غياب لافت لعدد كبير من كبار الموظفين خلال ساعات العمل الرسمية. زيارة لم تكن بروتوكولية ولا شكلية، بل حملت دلالات عميقة حول واقع الإدارة العمومية ومستوى الانضباط داخل مؤسسات الدولة.
الحدث عكس بوضوح الفجوة القائمة بين الخطاب الرسمي الداعي إلى الإصلاح الإداري والممارسة اليومية داخل المرافق العمومية. فقد وجّه الرئيس رسالة حازمة ومباشرة، مفادها أن شغل المناصب العمومية لا يمكن أن يُفصل عن الالتزام بالواجب المهني، وأن الوظيفة العمومية ليست امتيازًا دائمًا، بل مسؤولية وطنية تُقاس بالإنتاج والانضباط وخدمة المواطن.
ولم يكن استحضار الرئيس لملف بطالة الشباب مجرد تعبير عاطفي، بل تشخيصًا لواقع اجتماعي مقلق، حيث يقف آلاف الشباب المؤهلين في طوابير الانتظار، في مقابل تهاون بعض شاغلي المناصب الرسمية في أداء مهامهم. كما حملت الإشارة إلى تفوق الأجيال الشابة في التحكم في التقنيات الحديثة رسالة واضحة مفادها أن الإدارة العمومية مطالبة بمواكبة التحولات الرقمية، أو المخاطرة بفقدان فعاليتها وقدرتها على الاستجابة لتحديات العصر.
وتجاوزت دلالات الزيارة مسألة الغياب الوظيفي لتفتح نقاشًا أوسع حول منظومة الحكامة داخل المؤسسات العمومية. فكيف يمكن لوزارة معنية بتدبير شؤون الوظيفة العمومية أن تشهد هذا المستوى من التسيب دون تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة؟ وأين تقف مسؤولية رؤساء الإدارات في فرض الانضباط وضمان احترام أوقات العمل؟ أسئلة تعيد إلى الواجهة مطلب ربط المسؤولية بالمحاسبة كمدخل أساسي لأي إصلاح حقيقي.
وقد ساهم انتشار مقاطع الفيديو الموثقة للزيارة، والتي حظيت بنسبة مشاهدة عالية، في تحويل الواقعة إلى قضية رأي عام. حيث عبّر عدد كبير من المواطنين عن دعمهم لخطوة الرئيس، معتبرين أنها عكست إرادة سياسية حقيقية في مواجهة مظاهر التراخي داخل الإدارة العمومية. في المقابل، شددت بعض الآراء على ضرورة احترام المساطر القانونية وحقوق الموظفين، بما يضمن تحقيق التوازن بين الصرامة والعدالة.
في المحصلة، تؤشر هذه الحادثة إلى لحظة مفصلية في علاقة الدولة بالإدارة العمومية، وإلى محاولة لإعادة الاعتبار لقيمة العمل والانضباط داخل المرفق العام. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في وقع الصدمة الإعلامية، بل في القدرة على تحويل هذه الخطوة إلى إصلاح مؤسسي مستدام، يجعل من الكفاءة والالتزام معيارين أساسيين للاستمرار في الخدمة العمومية.
إن هذه الزيارة ليست مجرد حدث عابر، بل تحذير صارم لكل من يسعى لتقويض قيمة العمل العام. الوظيفة العمومية ليست امتيازًا أو مكافأة بلا جهد، بل عقد أخلاقي مع الوطن يتطلب الالتزام والانضباط. الصرامة التي أظهرها الرئيس ليست تهديدًا، بل رسالة واضحة بأن الإصلاح يبدأ من القمة وأن المحاسبة ضرورة لا غنى عنها. ومن يغفل عن واجبه، فالأولى به أن يفسح المجال لمن يحمل كفاءة وإرادة حقيقية لخدمة الدولة والمواطن. في النهاية، التاريخ لا يرحم المتقاعسين، والإصلاح الحقيقي يبدأ بالقدوة والوضوح في تطبيق المعايير.