هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه أكادير 24.

الإعلام المُسَيَّس وصناعة السموم: حين يُستدعى خطاب الكراهية لمواجهة صورة الواقع

كُتّاب وآراء

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

بمناسبة احتضان المغرب لفعاليات كأس إفريقيا للأمم، وما رافق ذلك من حضور لافت ليوتوبرز جزائريين وتونسيين قاموا بتغطية الحدث من داخل المدن المغربية، انفجرت موجة جديدة من الخطاب الإعلامي العدائي الصادر عن بعض المنابر الجزائرية الرسمية وشبه الرسمية، في مشهد يؤكد أن سبب هذا التصعيد ليس سياسيًا مباشرًا، بل إعلاميًا ونفسيًا بالأساس.

  • سبب النزول: حين تُربك الصورةُ الخطابَ

السبب الحقيقي لهذا “النزول الإعلامي” ليس سوى الصور والمشاهد التي نقلها يوتوبرز جزائريون وتونسيون من المغرب: تنظيم محكم، بنية تحتية متطورة، أجواء احتفالية، استقبال شعبي، وتعايش مغاربي طبيعي، بعيد كل البعد عن الصورة السوداوية التي طالما حاولت بعض الأبواق الإعلامية ترسيخها في أذهان جمهورها.
هذه المشاهد، التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، أربكت السردية الرسمية، ودخلت في تناقض مباشر مع خطاب التحريض والكراهية، ما دفع بعض وسائل الإعلام إلى إطلاق سيل من السموم اللفظية، وصل حد التهديد بمعاقبة يوتوبرز جزائريين فقط لأنهم “أشادوا بالمغرب” أو نقلوا ما رأوه بأعينهم.

  • من الإعلام إلى آلية دفاع

بدل أن يُقابل هذا الحدث بروح رياضية ومغاربية، جرى التعامل معه كـتهديد أيديولوجي. فالإعلام الذي بُني على التخويف من “الآخر” وجد نفسه فجأة أمام واقع حيّ، لا يمكن تكذيبه بسهولة، فكان الرد هو الهجوم: تشكيك، تخوين، واتهام بالعمالة، في محاولة يائسة لإعادة ضبط الرأي العام.
هذا التحول يعكس أزمة عميقة في وظيفة الإعلام، الذي لم يعد ناقلًا للخبر، بل أداة دفاع نفسي عن خطاب رسمي مأزوم، يخشى الحقيقة حين تُبث مباشرة من هاتف ذكي.

  • تجار الفتنة وتدوير الكراهية إقليميًا

في هذا السياق، برز ما يمكن وصفهم بـتجار الفتنة: إعلاميون ويوتيوبرز يقتاتون على التحريض، ويعيدون إنتاج نفس اللغة العدائية، ليس فقط داخل الجزائر، بل جرى تصدير هذا الخطاب إلى بعض الساحات الإعلامية في تونس، حيث ظهرت أصوات هامشية تردد نفس الاتهامات ونفس العبارات، مقابل مكاسب مادية أو دعم غير معلن.
هؤلاء لا يناقشون مضمون ما نُشر، ولا ينفون الصور أو الوقائع، بل يهاجمون أصحابها، في سلوك يكشف فقرًا تحليليًا، وعجزًا عن مواجهة الواقع إلا عبر التشويه.

  • لماذا المغرب مجددًا؟

الاستهداف المتكرر للمغرب ليس وليد الصدفة. فنجاح المملكة في تنظيم تظاهرات قارية كبرى، وقدرتها على تقديم صورة مستقرة ومنفتحة، يضع خطاب العداء في مأزق. فبدل تحويل هذا النجاح إلى فرصة للتكامل المغاربي، يتم التعامل معه كـاستفزاز يجب الرد عليه إعلاميًا.
إن ذنب المغرب، في هذا الخطاب، ليس سوى أنه اختار طريق العمل، والبناء، والانفتاح، بدل الانغلاق والصراعات الوهمية.

  • الإعلام حين يتحول إلى عبء

الإعلام الذي ينشر الكراهية لا يحمي الأوطان، بل يُضعفها. والإعلام الذي يخوّف مواطنيه من الحقيقة، إنما يعترف ضمنيًا بعجزه عن الإقناع. أما معاقبة الرأي المختلف، فهي علامة واضحة على هشاشة السردية الرسمية.
لقد أظهر حضور يوتوبرز جزائريين وتونسيين بالمغرب خلال كأس إفريقيا للأمم أن الواقع أقوى من الدعاية، وأن الشعوب المغاربية، حين تلتقي بعيدًا عن الشاشات المسمومة، تكتشف أن ما يجمعها أكبر بكثير مما يُراد لها أن تصدقه.

  • خاتمة

ما حدث ليس مجرد رد فعل عابر، بل دليل على أن الصورة الحرة أصبحت أخطر من الخطاب الموجَّه. فكل هاتف ذكي اليوم قادر على كسر الاحتكار الإعلامي، وفضح التناقض بين ما يُقال وما يُعاش.
ويبقى الرهان الحقيقي على وعي الشعوب، التي باتت تميّز بين إعلام ينقل الحقيقة، وإعلام يصنع الفتنة، مهما علت أصواته.