سعيد الغماز-كاتب وباحث
خلال زيارة الرئيس الأمريكي لدول الخليج الثلاثة السعودية قطر والإمارات العربية المتحدة، سمعنا فقط صوت قرارات سياسية تهم قضايا دولية، وصوت صفقات تجارية تجاوزت لغة الملايين والملايير لتصل سقف التريليونات من الدولارات.
كل باحث ومحلل في وطننا العربي، يدلي بدلوه ويعبر عن رأيه من وجهة نظره، ومن زاوية قراءته لحدث الزيارة. وبشكل عام، توزعت الآراء حول هذا الموضوع بين من اعتبرها ابتزازا لأموال الخليج، مقابل دور لها في السياسة الدولية. ومن اعتبرها تعزيز دور دول الخليج في الساحة الدولية، وقدرتهم على التوسط في إيجاد حلول للصراعات العالمية الكبرى كالحرب بين روسيا وأوكرانيا مثلا، إلى جانب انخراطهم التام في المنتظم الدولي لخدمة تنمية أوطانهم. وبين ذاك وذاك، أفكار وأراء تميل يمينا أو شمالا.
لكن…بعودتنا إلى تاريخ الأنظمة العربية، نجد أن السياسة في عالمنا العربي تُمارَس إجمالا وفق منطقين: منطق الشعارات ومنطق البراغماتية. كيف ذلك؟
في وقتنا الراهن، نجد أن دول الخليج هي اللاعب الأساسي في المنتظم الدولي، من بين جل الدول العربية. والمملكة المغربية، حليف استراتيجي لدول الخليج، والأكيد أنها مساهمة في هذا الزخم العالمي وجزء منه.
زيارة الرئيس الأمريكي لدول الخليج، زادت من تأكيد الدور المحوري لمجلس التعاون الخليجي في السياسات الدولية. لكن السؤال المحير بعودتنا إلى التاريخ هو: أين مصر عبد الناصر؟ أين عراق صدام؟ أين سوريا الأسد؟ أين ليبيا القذافي؟
إلى وقت قريب في زمن الشعوب، كانت الناصرية والقومية والنظام الجمهوري هي العناوين التي تؤثث السياسة في وطننا العربي. وكانت الأنظمة الجمهورية تَسْخَر من دول الخليج لأنها أنظمة ملكية ومصيرها إلى الزوال. وبلادنا نالت هي الأخرى حظها من هذا التاريخ. وما مساندة مصر عبد الناصر للجزائر في حرب الرمال ضد بلادنا، إلا خير دليل.
في هذا الوقت، كانت الشعارات القومية هي السائدة. مصر عبد الناصر كانت هي القائد للوطن العربي. وسوريا الأسد هي خط المواجهة مع كيان الاحتلال. وعراق صدام هي الجيش الذي يهابه أعداء الأمة. وليبيا القذافي هي الخطب الحماسية التي وصلت حد تمزيق ميثاق الأمم المتحدة على منبر المنظمة الدولية.
في هذا الوقت كانت الأنظمة الملكية في الخليج وفي المغرب، تُمارس السياسة بمنطق براغماتي، بعيد عن الشعارات التي تلهب حماسة الشعوب، ولا تبني الأوطان ولا الأمم. وفي نفس الوقت كانت الأنظمة العسكرية بقناع الجمهورية، تُخطط لتوريث أبنائها حكم البلاد، في مشهد سريالي لا هو بالجمهوري ولا هو بالملكي. علاء مبارك في مصر، عدي صدام في العراق، بشار الأسد في سوريا وأخير سيف الإسلام القذافي في ليبيا.
ماذا كانت النتيجة؟
تبخرت الشعارات، وأتى الربيع العربي، لتكتشف الشعوب العربية أن تلك الأنظمة الثورية لم تؤسس دولة ولم تُقِم وطنا ولم تبن إنسانا. اكتشفت الشعوب العربية أن تلك الشعارات الحماسية، كانت تخفي تمويل القذافي لحملة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بملايين الدولارات من مال يحتاجه الشعب الليبي. كانت تخفي أن صدام حسين هجم على الكويت بإيعاز من أمريكا. كانت تخفي أن الجيش المصري كان في صراع حول السلطة مع عبد الناصر، فكانت نكبة 1967. كانت تخفي كذلك أن نظام الأسد مستعد للتضحية بشعبه للحفاظ على حكمه.
ذهبت كل تلك الأنظمة الثورية، وتركت وراءها دولا فاشلة. بل انقلبت الموازين، فأصبحت الأنظمة الجمهورية التي كانت تواجه الأنظمة الملكية، تطلب مساعدة دول الخليج لتوفير القمح لمواطنيها. المملكة العربية السعودية، تضع 5 ملايير دولار كوديعة في البنك المصري الأهلي، لتوفير العملة الصعبة التي ستجعل مصر قادرة على توريد الحبوب. نضيف محاولة صدام ابتزاز دول الخليج للخروج من الأزمة المالية التي وضع فيها بلاده. فقام بغزو الكويت وبقيت الحكاية معروفة.
ذهبت كل تلك الأنظمة، وبقيت الأنظمة الملكية قائمة في الخليج وفي المغرب. بل أكثر من ذلك، تراجع دور الأنظمة العسكرية بقناع الجمهورية، وفي المقابل تعزز دور الأنظمة الملكية، والزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي تؤكد ذلك.
هكذا كانت نهاية الدول التي تبنت سياسة الشعارات، وهكذا سار حال الأنظمة الملكية التي تبنت سياسة براغماتية.
الواقع لا يرتفع، والتاريخ كشاف. وربما سوريا الشرع فهمت التاريخ، وأرادت تطبيق الدرس البراغماتي.
التعاليق (0)