أكادير24 | Agadir24/ع.بن عيسى
في زمنٍ يشهد فيه العالم الرقمي طفراتٍ هائلة في النشر والإبداع، يصبح من المعيب أن تجد أكاديميًا يحمل شهادة الدكتوراه، يتصدر المشهد بتحليلاته السياسية، وآرائه الاقتصادية، ومداخلاته في كل صغيرة وكبيرة، لكنه عند البحث عن إنتاجه العلمي أو الفكري، تتبدد كل التوقعات. تفتش في رفوف المكتبات، فلا تجد له كتابًا واحدًا. تبحث عن دراسة موثقة تحمل اسمه، فتعود بخيبة أمل. إنه أكاديمي بـ”اللقب”، لكنه بلا بصمة معرفية حقيقية.
هذا النموذج أشبه بفنان شعبي كثير الظهور في الأعراس والمهرجانات، يتنقل بين الحفلات، لكنه لم يصدر يومًا ألبومًا فنيًا يحمل اسمه، أو يقدم إنتاجًا موسيقيًا يُخلده. حضوره يملأ الفراغ، لكنه لا يضيف شيئًا للذاكرة. وهكذا الحال مع أكاديمي أو صحفي يكتفي بالتنظير والتدوين، دون أن يُثري المكتبة أو يُساهم في رفد الفكر بدراسات أو مؤلفات تُثري النقاش وتُخلّد أثره.
في عصر المعرفة الرقمية، بات غياب الإنتاج العلمي أو الفكري خيانةً لمكانة الأكاديمي أو الصحفي. لأن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح من السهل الوصول إلى المعلومات، لكن التحدي يكمن في تقديم محتوى موثوق، جديد، ومُعمق. وهنا تتجلى الفوارق بين “المنشّطين” الذين يجيدون إثارة الجدل، وبين “المنتجين” الذين يتركون أثرًا دائمًا عبر مؤلفات ودراسات تُشكل مرجعًا للأجيال القادمة.
الأكاديمي الحقيقي ليس من يتحدث كثيرًا أو يظهر في كل منصة، بل من يترك إرثًا معرفيًا يُستند إليه. إنتاجه يُغني المكتبة، وأفكاره تعبر الحدود الزمنية والجغرافية. أما من يفتقر إلى هذا الإنتاج، فهو مجرد متحدث، يُكثر من الظهور، لكنه يبقى خالي الوفاض من أي قيمة تضيف إلى المعرفة الإنسانية.
إن غياب الإنتاج الحقيقي لا يُسقط فقط من مكانة الأكاديمي أو الصحفي، بل يكشف ضعفًا في الالتزام برسالة العلم والإعلام. فالمجتمعات لا ترتقي بمن يُحدث ضجيجًا، بل بمن يُنتج معرفةً تُغير الواقع. لذلك، فإن كان الأكاديمي أو الصحفي مجرد مُنظر دون إنتاج، فهو يضع نفسه في خانة المنشّطين العابرين الذين لا يُذكرون في صفحات التاريخ. الإنتاج هو معيار القيمة، والصمت عن الإسهام الحقيقي عيب لا يغتفر في زمنٍ أتاح للجميع أدوات الإبداع والنشر. فالتحدي اليوم ليس في الظهور، بل في ترك بصمة تُحدث الفرق وتُحقق التأثير
التعاليق (0)