وأنا أتابع ما وقع من أحداث في إصلاحية عكاشة بل سجن القاصرين بعكاشة ، وأقرأ التحليلات والكتابات حول الحدث، لم أستطع تمالك نفسي ولجم زمام قلمي للخوض في هذا اللغو التربوي الذي صار موضوعا مقلقا بامتياز، موضوع حاول البعض جعله معزولا عن السياق المجتمعي الذي تعيشه البلاد وجعله حالة معزولة لتمرد مجموعة من القاصرين الجانحين المتشبعين بثقافة هوليود وبوليود، لكن المتتبع عن قرب ناهيك عنا نحن معشر المهنيين، يلاحظ تواتر عدد من الوقائع الخطيرة التي عشناها خلال الشهور اﻷخيرة والتي تشكل سلسة مترابطة من الأحداث التي لو وقعت في دول تحترم نفسها لقامت الدنيا ولم تقعد حتى “يجدب ويندب” السياسيون والفاعلون التربويون و”يعصروا” أدمغتهم ويحللو “صاليراتهم” ليخرجو للعلن إجابات في شكل سياسات وبرامج مجتمعية قادرة على طمأنة الرأي العام ، غير أن ما وقع في هذا البلد السعيد أنه تم إغراق هذه الأحداث في التعميم الذي لجأ إليه البعض للتغطية والتعمية والتمويه، أحداث لم يأبه لها ومرت بسلام دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم عناء التفكير في الخيوط الرابطة بينها وتحليل مسبباتها واقتراح م يمكن اقتراحه لمواجهتها…أحداث يمكن تصنيفها تحت عنوان واحد صغير:”غياب سياسة وطنية لمواجهة جنوح اﻷحداث” …
فانطلاقا من اﻷحداث المتكررة لشغب الملاعب والتي كان أبطالها وضحاياها في معظمهم شبابا وقاصرين من أوساط يعرفها الجميع ،أوساط متشبعة بثقافة العنف الذي يغذيه الحرمان وانعدام تكافئ الفرص وغياب الإبداع البديل للنظم التربوية الكلاسيكية التي صارت كالصراط الذي ما أن تزيغ عنه حتى تجد نفسك في قعر جهنم خالدا فيها ،اذ لا مجال لفرصة ثانية أو ثالثة للإنقاذ بالنسبة لأطفال وقاصرين جعلتهم السياسات التفقيرية للحكومات المتعاقبة من سكان تجزئة “مساخيط الدولة”،تجزئات فرخت من بين ما فرخت العديد من أبطال بعض الأحداث التي بصمت المغرب الحديث بلحظات رعب هي أحلك ما شهد المغرب الحديث، من قبيل أحداث 16 ماي…إن المستغور لأحداث 16 ماي وأحداث شغب الملاعب سرعان ما يستنتج أن هذه الأحداث وأمثالها ما هي الا صرخة من شباب لم يجدوا من ينصت لهمومهم،هي صفارة إنذار في ملعب أغلب لاعبيه طرش لا يكادون يفقهون ..
من شغب الملاعب الى اﻷخبار الواردة من جحيم الدولة الاسلامية المزعومة التي صارت تستقطب قاصرين كانوا لغاية الأمس القريب نكرة لا يأبه لها، ليصيروا بين عشية وضحاها رجالا بشنب وكلمة مسموعة وبندقية ووعد بالجنة، شباب كانوا نكرة في وطنهم بل عالة وجربا مطاردا من اﻷسواق بسبب امتهان تجارة غير مرخصة، مطاردا من المدرسة العمومية بسبب غياب ثقافة الانصات، مطاردا من الأسرة بسبب الضغوط الاقتصادية…فلما لا الانتحار بحزام ناسف يسرع بالانتقال الى الجنة.. هي صرخة ثانية بصوت مرتفع لم تجد من مستمع…
من الملاعب الى قاصري الدواعش مرورا بالكريساج الذي صار موضة الشهور الأخيرة والذي شكل القاصرون نسبة كبيرة من مكوناته..الكريساج والتشرميل وقبل ذلك التخدير الذي يضمن الفعالية والحماية للعمليات التي تكاد تتشابه في طريقة تنفيذها المعتمدة على العنف و المباغتة والترهيب والمجازفة واثارة الانتباه…حالات تكون في معظمها مقرونة بتخدير بواسطة أقراص الهلوسة “البولة الحمراء”التي صارت تزخر بها العديد من أغاني الشباب والقاصرين التي لا ينصت لها الكبار ﻷن ذلك غير جدير بهم لتذهب الصرخات تلو الصرخات أدراج الرياح في غياب مستمع فعال…
كان القاصرون المغاربة أيضا أبطالا ركبوا البحر تشبها بزعيمهم التاريخي طارق بن زياد، فأحرقوا ورائهم هوياتهم ولغتهم وكل ما يمكن أن يدل عليهم، وتفننوا في أداء اللهجة الشامية: جواز السفر الجديد في زمن اﻷزمة السورية…
قاصرونا الذين نفذوا عمليتهم الهوليودية بسجن عكاشة أول أمس ليسوا إلا أحد هؤلاء المنسيين في السياسات العمومية المتروكين ﻷسرهم “الغير محترمة” وفق نظرة السياسيين ..هم طغمة ناقصة التربية ليست بحاجة لتكون موضوع ورشات وإصلاحات واجتهادات وبرامج سياسية للأحزاب والدولة المهتمة فقط “بخدامها” ناسية مصير من تمردوا يوما فنعتوا باﻷوباش..
ألا إن اﻷوباش اليوم هم كل مسؤول سياسيا كان أو تكنوقراطا تحمل مسؤولية في هذا البلد ولم يكن أهلا لها.. ألا إن اﻷوباش اليوم هم كل أولئك الذين يحملون فكرا قاصرا لمشاكل الطفولة والقاصرين تكون نتيجته سياسات فاشلة في مجال إدماج القاصرين..ألا ان اﻷوباش اليوم من حكم لخمس سنوات ولم يفلح في تحريك عجلة العمل مع الجانحين القصر قيد أنملة..
ما وقع بسجن عكاشة ماهو إلا تلك الشجرة التي تخفي الغابة.. شجرة تجلت فأفزعتنا ،فكيف بمن اطلع على الغابة…
إمضاء:فؤاد واعلي
التعاليق (0)
التعاليق مغلقة.