حصل الوعي بالمشكلة وغابت الارادة السياسية لقيادة الاصلاح
من اللافت للنظر ان المعطيات والحقائق الصادمة التي صرح بها الوزير بنموسى في عرضه امام اعضاء لجنة بالبرلمان(تلامذتنا بالمؤسسات التعليمية الابتدائية لا يستطيعون القراءة او القيام بعمليات الضرب والقسمة) هي نفسها الحقائق والمعطيات وحتى الارقام التي صدمتنا بها مؤسسات وطنية ودولية عن المشكلات التي يعاني منها نظامنا التعليمي وكأن الحقائق والارقام تتكرر بنفس الالفاظ والاعداد مما يبين ان مسالة الوعي بالمشكلات واولويات العمل ليست غائبة عن المسؤولين التربويين ولا غائبة عن المسؤولين خارج النظام التربوي.
لهذا فالمتوقع ان يكون الوعي بالمشكلة خطوة اولى للشروع في التطور والتصحيح لكن هذا لم يحدث في مجالنا التربوي بالرغم من تردد الاطروحات والمقولات عن المشكلات واولويات العمل التربوي بشكل قوي ومتكرر وهكذا عايشنا ونعايش الى اليوم تراكم العديد من المشاريع الاصلاحية التربوية ومعها ميزانيات ضخمة(البرنامج الاستعجالي نموذجا) الا انها لم تستطع ان تحدث تغييرا او تطويرا عبر سنوات وعقود سوى التراكم الكمي الذي لم يضف الى هذا النظام التربوي غير “الكوارث” اذ يزداد عدد التلاميذ الذين يغادرون فصول الدراسة “بشواهد” الامية، وتزداد اعداد الهدر والتسرب المدرسيين، ويزداد عدد المدارس التي تفتقر الى التجهيزات الاساسية والوسائل التعليمية والمكتبات والمختبرات والملاعب وفي المقابل ازدادت اعداد المذكرات التي تتساقط على المؤسسات بين كل يوم وكل ليلة وفي شتى الموضوعات من التوجيه الى الحياة المدرسية الى الرقي بالرياضة الى التكوين الى التقويم والتقييم الى.. لكن لا هذا ولا ذاك ولا ذلك غير من الوضع الكارثي شيئا وما تحقق بالأمس –ربما- افضل مما يتحقق اليوم من حيث النجاعة والمردودية والكفاءة والانتاج. فما نسمعه من مناهج جديدة ما هو الا تلاعب بالكلمات والألفاظ والكتب المدرسية الجديدة هي كالقديمة مثقلة بأشباح الماضي ولا تمت للحياة في شيء..
لقد ورد على لسان الوزير بنموسى بمجلس النواب ان مستوى التلاميذ (اكثر من مقلقة بل هي كارثية ) اعتمادا على تقييم المكتسبات الذي خضع له 100 الف تلميذ بداية الموسم الحالي والتي اظهرت لفريق البحث ان امورا تعليمية بسيطة لم يتمكن منها تلامذة الصفوف الابتدائية حيث انهم (لا يتمكنون من قراءة كلمات بسيطة او انجاز عمليات الضرب او القسمة بعد ست سنوات من الدراسة في المدرسة العمومية) هذه الوضعية الكارثية التي وصلها تعليمنا العمومي دعا الوزير على ضرورة مواجهتها بعد ان اكدتها – كذلك- تقارير على قياس قام به المجلس الاعلى للتربية والتكوين وقياسات دولية اخرى.
انطلاقا من هذا الاعتراف يتبين لنا ان الدولة عندما تصفو بصيرتها تعرف الداء الذي ينخر الجسم التعليمي ولكنها عندما تصف الدواء تفعل ذلك بتردد كحال المجبر على امره المعتذر عما تفعل يداه. ان الارادة السياسية يجب ان تقود الاصلاح وتتابع تنفيذه بعد اقرار خطة متناسقة والاصلاح يجب ان يكون شموليا في كل المؤسسات والانظمة الاجتماعية.
اذا اخذنا بموضوع واحد مما اثاره السيد الوزير وبالذات ضعف التحكم في الكفايات اللغوية لدى فئات من تلامذتنا فان ذلك يعد أمرا مقلقا بالنظر إلى كون إتقان اللغات هي من بين أهم المعيقات البيداغوجية – حسب تقرير المجلس الاعلى – كما تظل إحدى النقائص الأكثر حدة على مستوى التحصيل البيداغوجي لكونها لا تؤثر على المؤسسات –فقط- بل تمثل عاملا حاسما في الارتقاء الدراسي للتلميذ وفي مسار حياته المهنية لان اللغات هي المدخل الرئيسي لاكتساب المعارف والمواقف وليس لاستدخال المفاهيم والقواعد اللغوية – فقط – ومن ثم فالنجاح أو الإخفاق الدراسيين جد مرتبطين بالتحكم أو بعدم التحكم في هذه اللغات وفي فهم المعارف واكتساب المهارات التي تنقل عبر هذه اللغات.
فعلى سبيل المثال تعلم مهارة القراءة والكتابة اذا تعثرت فإنها تشكل خطرا على جميع انواع التعلمات الاخرى المطلوبة وفي هذا الشان اشارت ابحاث ( ميثلمان ) على عينة من التلاميذ الذين يعانون من ضعف في القراءة مقارنة بعينة من التلاميذ الذين يظهرون نشاطا وتفوقا ان التأخر في القراءة (عامل في تدني التقبل الاجتماعي) كما تشير الكثير من البحوث الى ان الاخفاق في تعلم القراءة في المراحل الاولى من التعليم يؤثر على الرسوب في التعليم الثانوي فضلا عن ارتباطه بالعديد من المشاكل التعلمية والاجتماعية.
وفي دراسة اخرى اجرتها (دولجاص) ترى ان كثيرا من الاطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم يقعون في دائرة الاخفاق فهم نتيجة اخفاقهم الاول ويسمون ان ذلك كان نتيجة قدراتهم المتدنية …لكن عندما يتم التعرف على مواطن القوة والضعف لديهم فان كثيرا من الصعوبات يمكن التغلب عليها. (د. احمد اوزي)
ان عدم تمكن التلميذ في المستوى السادس الابتدائي من اكتساب مهارات القراءة والكتابة مؤشر واضح على ضرورة مراجعة بنيات العملية التعليمة التعلمية وهي ناقوس خطر يؤذن بوجود الاهتمام بطرقنا واساليبنا في التعامل مع المتعلمين والا نخفي عيوبنا وعيوب برامجنا ومناهجنا تحت ستار تلميذ بطي التعلم او فاشل لا يمكنه الاستمرار في مسيرته التعليمية.
انجاح المشروع الاصلاحي يتطلب ارادة سياسية واجتماعية واعية
انه لا يمكن ان نتوقع اصلاحا تربويا اذا لم يرتبط بإصلاح اجتماعي واقتصادي وثقافي متكامل وهذا يحتاج الى توافقات اجتماعية وفكرية وتربوية وسياسية بين كل الفاعلين المعنيين بمسالة التربية والتعليم، توافقات كفيلة بان تجعل التوافقات السياسية الكبرى كتلك التي تمت مثلا على مستوى بلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين حتى تكون قابلة للتحقق والانجاز، كما انه قبل هذا وذاك يجب اشراك ومشاركة كل الفاعلين المعنيين من نساء ورجال التعليم اباء وامهات فاعلين جامعيين ومثقفين وهيئات اجتماعية وسياسية مختلفة وكل مؤسسات ومنظمات وهيئات المجتمع المدني حتى يشعر الجميع انهم معنيون بالإصلاح التربوي وحتى يساهم الجميع كل من موقعه في اثراء واغناء منظومة التربية والتكوين.
وعودا على بدء فان ام المشاكل التي تعيق انجاح اي مشروع اصلاحي وضعية اللغات ومستوى تدريسها ومنها اللغة العربية واللغة الامازيغية واللغات الاجنبية حيث يسجل بأسف بان الارتجال اثر سلبا على التصورات او على “الهندسة اللغوية” بمؤسساتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومشروع قانون الاطار وقبله الرؤية الاستراتيجية للإصلاح والميثاق الوطني للتربية والتكوين لم يرسموا لنا بدقة ووضوح ما يمكن تسميته بالسياسة اللغوية لبلادنا لهذا افتقدت مشاريعنا الاصلاحية لاستراتيجية لغوية واضحة تقوم على المرونة وعلى استيعاب التعدد وليس الازدواج اللغوي. وكان العديد من الفاعلين والمهتمين بالشأن التربوي واللغوي قد دعوا الى احداث مديرية خاصة بهذا الشأن على مستوى الوزارة الوصية حتى تتمكن من ضبط اليات التحكم في هذا التعدد اللغوي لمصلحة المتعلم والمدرسة المغربية.
ان هذا النوع من التصور الشمولي للإصلاح التربوي هو الذي يمكن ان يضعنا على المسار الصحيح للإصلاح وايضا على المسار السليم لبناء مشروع مجتمعي جديد الذي نهدف جميعا قمة وقاعدة الى بنائه.
ذ. محمد بادرة