تُعد الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الماء والمقالع، عصب التنمية وأساس استدامة الحياة في المغرب. غير أن هذا الرصيد الحيوي والاستراتيجي يواجه اليوم تحديات جمة، تتجلى في التدهور المتزايد جراء الاستغلال المفرط وغير القانوني. ورغم الجهود المبذولة لتقنين الولوج إلى هذه الثروات عبر آليات منح التراخيص والمراقبة، فإن الواقع يكشف عن ضغوط متصاعدة تهدد تحقيق التنمية المستدامة وأمن المغاربة على المدى الطويل.
في هذا السياق، ناقشت لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة والتنمية المستدامة رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية (المائية والمقالع)”. وقد سلطت مداخلة النائبة نعيمة الفتحاوي الضوء على مكامن الخلل والاختلالات التي تعيق التنفيذ السليم للإطار القانوني المنظم لهذا القطاع الحيوي، مستندة في ذلك إلى خلاصات تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة.
تعقيدات إدارية وتنسيق مفقود:
أشارت النائبة إلى أن تعقيد وبطء مساطر منح التراخيص أو الامتيازات لا يشجع المستغلين غير القانونيين على الامتثال للقانون. كما أن تعدد المتدخلين وصعوبة التنسيق بينهم يخلق نظامًا مجزأ يؤثر سلبًا على الاستغلال الأمثل للموارد المائية. وفي سياق متصل، لفتت الانتباه إلى أن المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية، رغم أهميتها ومصادقة أغلبية مجالس وكالات الأحواض المائية عليها، تفتقر إلى الطابع الملزم بسبب غياب النص التنظيمي الذي يفرض اعتمادها.
محدودية الرقابة وغياب التكنولوجيا الحديثة:
كما استعرضت المتحدثة ضعف تأثير شرطة المياه ومحدودية تدخلاتها في مجال المراقبة، مرجعة ذلك إلى النقص في الموارد البشرية والتكوين. وأكدت على الحاجة الملحة للاستعانة بالوسائل الحديثة لرصد وكشف الممارسات غير المشروعة في استغلال المياه.
إكراهات الحكامة وتأخر مخططات المقالع:
وفيما يتعلق بقطاع المقالع، أبرزت النائبة الفتحاوي الإكراهات المرتبطة بالحكامة والتنسيق بين الفاعلين على المستوى الترابي، والتي تتسبب في تأخر إعداد المخططات الجهوية لتدبير المقالع، مما يعرقل تنفيذ مقتضيات القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع. كما أشارت إلى النقص الواضح في الإمكانيات البشرية والمادية المخصصة لرصد ومراقبة هذه المقالع بشكل دوري.
هيمنة القطاع غير المهيكل وتفويت مداخيل الدولة:
دقّت النائبة ناقوس الخطر إزاء هيمنة القطاع غير المنظم في مجال المقالع، سواء من خلال المقالع غير المصرح بها أو تلك المرخصة التي تمارس الغش وعدم التصريح الكامل بالمداخيل. هذا الوضع يخلق منافسة غير مشروعة ويفوت على الدولة مداخيل ضريبية هامة، بالإضافة إلى مخاطر الاستغلال المفرط لبعض أنواع المقالع. كما لفتت الانتباه إلى التباطؤ الملحوظ في مسطرة فتح المقالع المؤقتة المخصصة للأشغال العمومية، مما يؤثر سلبًا على المستثمرين وفعالية المقاولات في قطاع البناء والأشغال العمومية.
توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: خارطة طريق للإصلاح:
أمام هذه التحديات، أكدت النائبة على أهمية التوصيات التي قدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لتعزيز الإطار الحالي وضمان الامتثال الكامل للإطار القانوني المنظم لآليات منح التراخيص والمراقبة. وشملت هذه التوصيات دعوة المشرعين إلى تعزيز فعلية النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها، وتبسيط المساطر، وتسوية وضعية مستغلي الموارد بشكل غير قانوني.
كما أوصى المجلس بإضفاء الطابع الملزم على المخططات الجهوية لتدبير المقالع وتسريع عملية إعدادها، واعتماد النصوص التطبيقية الضرورية لتنفيذ القانون رقم 17-49 المتعلق بالتقييم البيئي الاستراتيجي. بالإضافة إلى ذلك، شدد على ضرورة تحسين الحكامة وتعزيز قدرات المتدخلين في مجال المراقبة، ووضع آلية للتنسيق بين المؤسسات لاتخاذ قرارات تحكيمية في حالات أزمات المياه.
وشملت التوصيات أيضًا تعزيز كفاءات وقدرات المتدخلين في المساطر القضائية ذات الصلة، ودراسة إمكانية إحداث غرف خاصة للنظر في قضايا البيئة، وتحسين أداء عملية تحصيل الإتاوات المتعلقة باستغلال المياه وتعزيز النجاعة الاقتصادية والضريبية لقطاع المقالع، وإحداث نظام معلوماتي وطني مندمج ومُحيَّن باستمرار لقطاعي المياه والمقالع.
مهمة استطلاعية تكشف المستور في قطاع المقالع:
استعرضت النائبة الفتحاوي أيضًا نتائج المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول مقالع الرمال والرخام، والتي كشفت عن مسائل عديدة تعيق سير القطاع وتحد من فعاليته. من بين هذه المسائل، تنوع الطبيعة القانونية للعقارات المستغلة في المقالع، وارتباط القطاع باقتصاد الريع، والاختلالات التي أشار إليها المشرع في ديباجة القانون رقم 27.13 والمتعلقة بطرق الاستغلال وتنامي المقالع العشوائية ونهب الرمال وعدم نجاعة المراقبة والانعكاسات السلبية على الساكنة والبيئة.
كما سجلت المهمة الاستطلاعية استمرار غياب سياسة عمومية واضحة لتدبير قطاع المقالع، وضعف الموارد البشرية واللوجستيكية المتاحة لفرق المراقبة الإقليمية، وعدم التفاعل الإيجابي من طرف جميع المتدخلين لتطبيق مبادئ الحكامة والتدبير الجديدة التي جاء بها القانون رقم 27.13.
تأخر النصوص التنظيمية وغياب المراقبة الفعالة:
كشفت المداخلة عن التأخر الكبير في إصدار النصوص التنظيمية لتفعيل القانون رقم 27.13، حيث لم يصدر سوى مرسومين من أصل 22 نصًا محالًا إليه. كما أشارت إلى أن عدد المقالع الخاضعة للمراقبة لا يزال محدودًا مقارنة بالعدد الإجمالي للمقالع المنظمة.
تحديات جمة وإرادة سياسية مطلوبة:
في الختام، أكدت النائبة نعيمة الفتحاوي على جسامة التحديات التي تواجه قطاع استغلال الموارد الطبيعية في المغرب، سواء تعلق الأمر بالماء أو المقالع. ودعت إلى ضرورة تضافر الجهود وتفعيل التوصيات والمقترحات الواردة في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتقارير اللجان البرلمانية من أجل ضمان حماية مستدامة لهذه الثروات الحيوية وتحقيق تنمية شاملة ومسؤولة تخدم مصلحة الوطن والمواطنين. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية قوية، وتنسيقًا فعالًا بين جميع المتدخلين، وتطبيقًا صارمًا للقانون، ومساءلة شاملة لكل المتورطين في استنزاف هذه الموارد بشكل غير قانوني.
التعاليق (0)