من اقدم الرباطات في المغرب رباط وجاج بن زللو اللمطي السوسي الذي كان يسمى رباط المرابطين وكان مجمعا لطلبة العلم وقراء القرءان حسب ما ورد في كتاب (التشوف) ونجد من بين رجالاته شيوخ الصوفية وفقهاء الدين وحفظة القرءان والمعلمين الذين يعلمون كتاب الله غير ان هؤلاء المتصوفة لم يقفوا عند التعبد بالقرآن وبالأدعية والاذكار وانما اسسوا رباطات اخرى ذات طابع حربي يرابط فيها المجاهدون والمحاربون لصد الغزاة والحكام الطغاة وبين الصنف الاول (نشر الدين والدعوة الاسلامية) والصنف الثاني (الجهاد في سبيل وحدة الامة) ويمكن ان نستدل بالداعية والمؤسس عبد الله بن ياسين الذي استطاع في رباطه ان يستجمع امة من الناس من قبيلة كدالة وفي مقدمتهم يحي بن ابراهيم امير صنهاجة ولقد توارد الناس على هذا الرباط حتى بلغ عددهم اكثر من الف من اشراف صنهاجة وكانوا النواة التي قامت بتأسيس الدولة المرابطية.
زاوية اكلو ترجع الى مؤسسها وكاك بن زللو الذي قال فيه صاحب الاستقصاء نقلا عن التشوف (ومنهم وجاج بن زللو اللمطي من اهل السوس الاقصى رحل الى القيروان واخذ عن ابي عمران الفاسي ثم عاد الى سوس فبنى دارا سماها بدار المرابطين لطلبة العلم وقراءة القرءان وكان المصامدة يزورونه ويتبركون بدعائه واذا اصابهم قحط استسقوا به ) ج1- ص6. واشار ابن عذارى نقلا عن البكري المعاصر لوكاك بان مقره كان بمالكوس قرب نفيس ويؤيد هذا الراي ما ذكره محمد المختار السوسي في الجز11 من المعسول ص 38 ان (اهل نفيس وردوا عليه في رباطه الشهير بالسوس بعد ان اصابهم جذب بنفيس).
ان مدرسة وكاك هي اول مدرسة دينية عرفها التاريخ في المغرب في اوائل القرن الخامس الهجري اتخذها عبد الله بن ياسين التامنارتي مؤسس الدولة المرابطية وزعيم جزولة مركزا للعلم ورباطا للجهاد.
ان النفوذ الصوفي وتغلغله القوي بين القبائل والعشائر ومزاحمته للسلطة المركزية هو الذي حدا بالمرابطين والموحدين الى امتحانهم ومحاصرتهم فاستدعوا من الاندلس وافريقية شيوخا وعلماء وفقهاء من امثال ابن العريف وابي الحكم بن برجان وابي مدين الغوث للحد من سطوتهم واشعاعهم وبعد ذلك هدأت الحملة على الصوفية وعلى الزوايا في عهد المرينيين الذين لم يكونوا يخشون امتداد نفوذ الصوفية لان الدولة المرينية آنذاك كانت قوية الجانب لأنها انصرفت الى الاهتمام بالجانب العمراني والحضاري وبلغت فيه دروتها لكن سقوط الدولة المرينية كان على يد الصوفية نفسها بسبب ما اتسم به بعض امراء بني وطاس من ميوعة وانحلال لتنتشر شرارة الثورة السعدية من سوس فعمت البلاد ملتهمة ما تبقى من نفود الوطاسيين واغرب ما في الامر ان محمد الشيخ السعدي مؤسس الدولة السعدية ما لبت ان انقلب على الصوفية حين امتحن ارباب الزوايا منذ سنة 958ه وذلك خوفا على ملكه لما كان للعامة في اصحاب الطوائف من اعتقاد وفي ايام زيدان تضعضع نفوذ السعديين واستقل المجاهد العياشي الصوفي بالأمر في كثير من النواحي وكانت شوكة الصوفية قوية وجانبهم منيعا حيث بلغت الزاوية الدلائية عنفوانها.
ولما استقل الملوك العلويون بالنفوذ في المغرب قضى مولاي رشيد على الزاوية الدلائية بعد معركة دارت بينه وبين اهلها في بطن الرمان اوائل شهر محرم عام 1079 ه
لكن الملوك الذي تولوا الحكم بعد ذلك اهتموا بهذه الزوايا واعتنوا بأضرحتها باعتبارها اماكن للعبادة واقامة الصلاة وقراءة القران وحفظ المتون الدينية فلم يرى هؤلاء الملوك ما يدعوا الى استئصالها بيد ان الاستعمار وصنائعه افسدوا جوانب من هذه الروح الطبيعية التي كانت تسري في الزوايا وكل البيوت الدينية.
لقد كان شيوخ الزوايا وفقراء الصوفية يقومون بدور الحكام بين القبائل والعشائر حتى انها توجد اماكنها على نقط الحدود التي لها اهمية في ضبط حركات التمرد او الاقتتال بين القبائل والعشائر والاسر الكبرى.. انها تقوم بتعيين الحدود وضمان الاستقرار وكانت سلطتهم المعنوية والرمزية تساعد على ارساء المعاهدات الفصلية المعقدة التي تحدد قواعد الانتجاع بين المراعي الجبلية والمناطق الصحراوية الجافة كما ان وجودهم في مناطق الحدود يسهل المبادلات التجارية ورجال القبائل الذين يفدون لزيارة الاسواق المجاورة لهم يتوقفون بالزاوية حيث هناك يضعون اسلحتهم ويقيمون بها لفترة محدودة مقدمين لشيخ الزاوية الطاعة والولاء والرضوخ لسلطته سلما او حربا.
كما حرصت كل الزوايا الدينية ان تجعل من الاطعام وسيلة للاستقطاب ليس فقط عموم الناس بل ايضا صفوة المجتمع او النخبة المخزنية والمجتمعية وكانت عملية الاطعام تتم وفق نظام خاص يأخذ بعين الاعتبار مرتبة الشخص وموقعه الاجتماعي وهكذا كان اطعام الطعام في الزاوية الشرقاوية – مثلا- يسير وفق ترتيب اجتماعي يراعي مكانة واهمية الضيف وكان شيخ هذه الزاوية يطعم في زاويته كل من وفد عليه من العامة والخاصة وخاصة الخاصة مثل الاشراف والعلماء والقواد يطعمهم بما يناسب مكانتهم الاجتماعية والسياسية اما العامة فيطعمهم طعام الدار من قمح وشعير وثمر وخبز.
وعلى غرار ما كان يتم من تمييز في عملية الاطعام كان يتم الحرص على التمييز في عملية الايواء حيث هناك بيوتا للوافدين والمقيمين من فقهاء وطلبة وهناك دور مهيأة لعلية القوم من علماء ووجهاء وزعماء القبائل كما كانت هناك دورا معدة لأهل فاس لوحدهم دون غيرهم !!!
كان شيخ الزاوية الدلائية محمد الحاج الدلائي يخصص ما يقارب خمسمائة بغلة لحمل الدقيق من الارحى الى الزاوية واتخذ قصعة عظيمة يطعم فيها الناس وكانت لشيخ الزاوية قيمات من النساء مكلفات بالإطعام يدفع لهن من الدقيق ومما يلزم للطبخ بقدر ما تحت ايديهن من اماء الخدمة لعجن وطهي الخبز وعادة ما كان يتم اطعام الطعام المعمول به في الزوايا في احترام للتراتبية السائدة في المجتمع.
الاطعام كان وسيلة للتحكم والاستقطاب والدعاية للزاوية وللجهة السياسية والمخزنية التي تنتمي لها الزاوية ففي المجتمع الذي يعاني من عدم الاستقرار السياسي ويتسم بالندرة الاقتصادية كان من الضروري ان تكون التوجهات العامة تختزل في الحصول على الامن السياسي والامن الغذائي لذا ارتبط المخيال السياسي المغربي بمفهوم البركة التي كانت تعني في ذلك الوقت (ضمان الامن والرغيف) من هنا كانت البركة رمزا للقوة الاقتصادية وحتى السياسية وبما ان المخزن غير قادر على الجمع بين القوتين فقد استغلت الزوايا هذه الثغرة لتقوم بوظيفة البركة لصالحها حيث الوفرة في الاطعام تشكل رمزا للبركة.
لكن التحولات التاريخية الحديثة ادت الى تراجع الزوايا بعد ان افتقدت كثيرا من الوظائف التي كانت تضطلع بها في المجتمع التقليدي كمؤسسات تأطير للمجتمع فالوظائف السياسية والاجتماعية والتعليمية والقضائية والجهادية لم تعد من مجال عملها بفعل عملية التحديث التي طالت المجتمع والدولة والتي كان من نتائجها توزيع قطاعات العمل هذه على مؤسسات الدولة الحديثة كالأحزاب المستأثرة بالعمل السياسي والمجتمع المدني المستأثر بالعمل الحقوقي والاجتماعي ..الخ وهو ما دعا الزوايا الى العودة لإعادة الاعتبار لوظيفتها التربوية والروحية والتي تشكل اليوم مدخلها الرئيس للإسهام في نشر القيم الاحسانية التي عمل اربابها على زرعها في النفوس.
ولا ننسى الادوار المهمة للزوايا المغربية في نشر التصوف المغربي في كل من شمال افريقيا ووسطها وجنوبها وهي تلعب اليوم دورا مهما في توطيد علاقات ديبلوماسية روحية مع هذه الدول الافريقية (السينغال – مالي – النيجر – نيجيريا- تشاد – غينيا..) ولقد وظفت الدولة هذا الاراث الروحي لبناء شراكات استراتيجية مع هذه البلدان بفضل دور هذه الزوايا في تقريب اواصر الاخوة الروحية والدينية والسياسية والاقتصادية (الزاوية التيجانية نموذجا).
ومع ذلك هناك من شن حملة شعواء على الزوايا الصوفية ومنهم اليوسي في محاضراته وكانت حملة شعواء على ادعياء الطريقة الصوفية ورسم صورة قاتمة عما انتهى اليه التصوف المغربي بسبب من الدس في حضيرته من مغرضين ومشبوهين وقال عنهم (كم تظاهر بالخير من لا خير فيه من مجنون او معتوه او موسوس او طيس فيقع به الاغترار للجهلة الاغمار وقد يشايعه من مثله من الحمقى ومن الفجار) وكان من اغرب ما حكاه اليوسي ان رجلا ورد على سجلماسة واتسم بالصلاح فاقبل عليه الناس ثم تبين فيما بعد انه يهودي ).
ذ. محمد بادرة