السياسة المائية للمغرب: رؤية ملكية متبصّرة تُكرّس الريادة العالمية في تدبير الموارد المائية

مجتمع

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

يواصل المغرب ترسيخ مكانته كأحد النماذج العالمية الرائدة في مجال تدبير الموارد المائية، بفضل رؤية ملكية متبصّرة قادت المملكة إلى تبني مقاربة شمولية واستباقية في مواجهة تحديات الندرة والتغير المناخي.
وقد جاءت إشادة رئيس المجلس العالمي للماء، لويك فوشون، خلال الدورة السابعة للمؤتمر الإفريقي للهندسة القروية بفاس، لتؤكد مرة أخرى أن السياسة المائية المغربية ليست مجرد برنامج تنموي، بل هي رؤية استراتيجية متجذّرة في فكر وتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي سار على نهج والده المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، مؤسس السياسة المائية الحديثة في المغرب.

  • من الرؤية الملكية إلى نموذج عالمي

لقد أدرك الملك الراحل الحسن الثاني، منذ عقود، أن الماء هو “شريان الحياة” وعماد السيادة الوطنية، فكانت سياسة بناء السدود أحد أبرز ركائز مشروعه التنموي، حيث أطلق ما عُرف آنذاك بـ”سياسة السدود الكبرى” التي مكنت المغرب من مواجهة فترات الجفاف وتأمين حاجيات الفلاحة والمجالات الحضرية.
واليوم، يواصل جلالة الملك محمد السادس ترجمة تلك الرؤية الحكيمة إلى مرحلة جديدة من التحول الهيكلي في السياسة المائية، ترتكز على الابتكار والتكنولوجيا والاستدامة، من خلال مشاريع كبرى في تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة، ونقل المياه بين الأحواض، وضمان العدالة المائية بين الجهات.

  • التبصر الملكي في مواجهة التحديات المناخية

إن المتتبع لخطابات جلالة الملك محمد السادس يلحظ بوضوح أن الماء يحتل مكانة مركزية في التوجهات الاستراتيجية للمملكة، سواء في ما يخص الأمن الغذائي، أو في ارتباطه بالطاقات المتجددة والتنمية القروية.
فبفضل التوجيهات الملكية السامية، تبنّى المغرب خطة وطنية متكاملة للماء تمتد إلى أفق 2050، تُعنى بتعبئة الموارد المائية وضمان استدامتها، عبر مشاريع واقعية تستجيب للتحولات المناخية التي تشهدها البلاد والعالم.

  • تحلية المياه والطاقة المتجددة: ثمرة رؤية ملكية مستقبلية

تشكل محطتا تحلية مياه البحر بالداخلة والرباط تجسيدًا عمليًا للرؤية الملكية الرامية إلى جعل الطاقات المتجددة في خدمة الأمن المائي. فهاتان المحطتان تمثلان نموذجًا عالميًا في الجمع بين الماء النظيف والطاقة الخضراء، مما يسهم في خفض كلفة إنتاج المياه وضمان استمرارية التزويد في المناطق الساحلية والجافة.
ولعل هذا ما جعل رئيس المجلس العالمي للماء يؤكد أن التجربة المغربية “تشكل نموذجًا يحتذى به عالميًا”، لما تمثله من توازن بين التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

  • استدامة التنمية القروية والأمن الغذائي

تضع الرؤية الملكية العالم القروي والفلاحة في قلب السياسات المائية، انسجامًا مع مبدأ العدالة المجالية. فبفضل برامج “الجيل الأخضر” و“الري الذكي”، يسعى المغرب إلى تعزيز كفاءة استعمال المياه في الزراعة وضمان مردودية مستدامة، بما ينعكس إيجابًا على الأمن الغذائي الوطني ويحد من الهجرة القروية.
وقد شدد فوشون على الدور المحوري للمنتخبين وصناع القرار في حماية الأمنين المائي والغذائي، معتبرًا أن التجربة المغربية في هذا الإطار “تمثل مرجعًا قارّيًا ودوليًا”.

  • المغرب من إدارة الندرة إلى هندسة الاستدامة

لقد تحوّل المغرب، بفضل الرؤية الملكية المتبصّرة، من إدارة الندرة إلى هندسة الاستدامة. فالماء لم يعد يُنظر إليه كمورد محدود فحسب، بل كعنصر استراتيجي يجب تدبيره بعقلانية وابتكار، ضمن رؤية تنموية شاملة تربط بين الماء والطاقة والغذاء.
وهكذا استطاعت المملكة أن تتحول إلى منارة إفريقية في تدبير المياه، وأن تسهم في بناء نموذج عالمي يستلهم من التجربة المغربية فلسفة التوازن بين الإنسان والبيئة.

  • خاتمة: الريادة العالمية ثمرة تبصّر ملكي واستمرارية تاريخية

إن ما تحقق اليوم هو ثمرة استمرارية ملكية فريدة جمعت بين حكمة الراحل الحسن الثاني، الذي أرسى دعائم سياسة مائية قوية، وبصيرة جلالة الملك محمد السادس الذي منح هذه السياسة بعدًا مستقبليًا يقوم على الابتكار والاستدامة.
وبذلك، يرسخ المغرب مكانته كدولة رائدة في تدبير الموارد المائية على الصعيدين الإفريقي والعالمي، نموذجًا يُحتذى به في كيفية تحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية، في ظل قيادة ملكية حكيمة تضع الماء في قلب السيادة الوطنية والتنمية المستدامة والريادة العالمية.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً