أطلق المستشار في السياسات العامة والمحلل الاقتصادي والمالي الدكتور محمد بنموسى تصريحات قوية خلال ندوة استثنائية نظمتها غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة سوس ماسة، حَمَّل فيها الحكومة الحالية مسؤولية “فشل تنزيل النموذج التنموي الجديد”، مؤكدًا أن هذا الإخفاق ناتج عن “غياب الإرادة السياسية” لدى الأغلبية المشكّلة للحكومة.
وجاءت مداخلة بنموسى ضمن أشغال ندوة وُصفت بالمميزة حول موضوع “الخطاب الملكي ورهانات تحقيق العدالة الاجتماعية في بعدها الاقتصادي”، في سياق اجتماعي يتسم بتصاعد الحراك الشعبي، حيث اعتبر الخبير أن ما يشهده الشارع المغربي من توترات “هو نتيجة مباشرة لسياسات حكومية فاشلة” في مجالات متعددة، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
وخلال الجلسة، وجّه الفاعل الجمعوي وعضو الغرفة صالح بيكنوان سؤالًا للمحاضر حول عبارة وردت في عرضه تقول: “لو وفينا بالعهد…”، متسائلًا عن الجهة المقصودة التي كان عليها الوفاء بهذا العهد، خاصة وأن بنموسى كان أحد أعضاء لجنة إعداد النموذج التنموي.
وردّ الدكتور بنموسى بوضوح غير مسبوق قائلاً إن “ثلاثي الأغلبية المشكّلة للحكومة” يتحمل المسؤولية الكاملة عن فشل تنزيل النموذج التنموي، لأن “ليس من مصلحتهم تنفيذ الإصلاحات الجوهرية التي يتضمنها”. وأضاف أن تضارب المصالح والحسابات الحزبية والشخصية داخل الحكومة عطّلت روح الإصلاح التي كان يُفترض أن يترجمها النموذج إلى واقع ملموس.
وأكد أن غياب الإرادة السياسية لدى الفاعل المُدبِّر للسياسات العمومية هو السبب الجوهري وراء هذا الإخفاق، مشددًا على أن النموذج التنموي الجديد هو “نتاج تفكير جماعي لكل المغاربة”، من أحزاب ونقابات ومنظمات ومجتمع مدني، وليس وثيقة تقنية حكومية.
التمويلات “المبتكرة”: خطر على توازن الاقتصاد الوطني
وفي رده على سؤال ثانٍ من أعضاء الغرفة حول مسألة “التمويلات المبتكرة”، أوضح بنموسى أن هذه الآلية بدأت سنة 2019 في عهد حكومة سعد الدين العثماني كوسيلة لسد الثغرات في الميزانية، لكنها تضخمت بشكل مثير للقلق خلال ولاية الحكومة الحالية.
وكشف الخبير المالي بالأرقام أن حكومة العثماني حققت عبر هذه التمويلات نحو 24 مليار درهم في ثلاث سنوات، بينما وصلت في عهد الحكومة الحالية إلى أكثر من 120 مليار درهم في الفترة نفسها، واصفًا هذا الرقم بـ”المهول والخطير”، مؤكدا أنه يعكس “اختلالات عميقة في تدبير المالية العمومية”.
وأضاف بنموسى أن هذه التمويلات تتم في غياب الشفافية والحكامة الجيدة، حيث تُدرج مبالغ ضخمة في الميزانية دون تفسير دقيق لمصادرها أو وجهاتها، حتى أن “نواب الأمة لا يتوفرون على المعلومات الكاملة حول المؤسسات التي تم تفويتها أو بيعها”.
وكشف أن بعض العمليات المالية تتم بطريقة “غامضة وغريبة”، من خلال بيع مؤسسات عمومية لجهات مجهولة ثم استئجارها لاحقًا منها بمبالغ غير معلومة، مشيرًا إلى أن هذا الأسلوب المالي “يهدد استقرار الاقتصاد الوطني ويكرّس سوء التدبير”.
دعوة إلى تخليق السياسة وتنزيل الجهوية والديمقراطية التشاركية
وفي محور آخر، انتقد بنموسى الطريقة التي دُبرت بها انتخابات 2021، معتبرًا أنها ساهمت في بلقنة المشهد السياسي وأضعفت إمكانات تنزيل الجهوية الموسعة والديمقراطية التشاركية.
وأكد أن تجاوز هذا الوضع يستوجب “تخليق العملية السياسية والانتخابية” ووضع تشريعات جديدة تضمن النزاهة والشفافية، باعتبار ذلك شرطًا ضروريًا لإنجاح التوافقات داخل المجالس الترابية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
أزمة الشغل ومسؤولية القطاع الخاص
وفي معرض حديثه عن التشغيل، شدّد الخبير على ضرورة تحفيز الشباب على ولوج سوق الشغل والتشغيل الذاتي، إلى جانب رفع ما وصفه بـ”الظلم الضريبي” عن أصحاب الشهادات الذين يختارون العمل الحر.
كما دعا إلى إلزام الشركات الكبرى والقطاع الخاص، الذي يستفيد من امتيازات مالية وعقارية مهمة، بـ”استيعاب أكبر عدد من الشباب”، منتقدًا في الوقت نفسه ما وصفه بـ”تبخر وعود الحكومة بتشغيل مليون شاب”.
فشل الحكامة في تدبير الدعم الاجتماعي
وفي ختام الندوة، تطرق بنموسى إلى صندوق الدعم الاجتماعي الذي بلغت ميزانيته 37 مليار درهم ومن المنتظر أن تتجاوز 50 مليار درهم، محذرًا من “اختلالات في الأولويات والحكامة” في تدبير هذا الملف، محملاً مرة أخرى “ثلاثي الأغلبية الحكومية” مسؤولية الفشل في تسيير الدعم الاجتماعي.
وأكد أن توجيه الدعم نحو المستشفيات العمومية وتطوير القطاع الصحي هو السبيل الحقيقي لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتقليص “فارق السرعتين” الذي أشار إليه جلالة الملك في خطابه الأخير.
واعتبر أن السياسات الحالية للدعم الاجتماعي “شكلية وفاشلة”، لأنها لا تلامس جوهر العدالة ولا تخدم الفئات الهشة.
وختم بنموسى بالتأكيد على أن النموذج التنموي ليس برنامجًا حكوميًا، بل التزام وطني جماعي يقتضي تغييرًا عميقًا في طريقة التفكير والتدبير، حتى يتمكن المغرب من تحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي حقيقي.
أكادير: بنموسى يحمّل الحكومة مسؤولية فشل تنزيل النموذج التنموي ويحذر من التمويلات المبتكرة

التعاليق (0)