تشبعت السيدة نعيمة التاقي بخصال العمل التطوعي الذي نهل منه زوجها، محمد دلال ، الذي زاوج بين العمل التربوي، والنشاط الجمعوي والرياضي الذي لازمه منذ أيام الطفولة، حتى غدا الأكسجين الذي لا يمكنه العيش من دونه.
بالرغم من كونها ولدت وترعرعت في الوسط الحضري، اختارت نعيمة التاقي تكريس جهودها وتضحياتها لخدمة فئة النساء المنتسبات للعالم القروي الذي ظل زوجها يساهم في تربية فتياته وفتيانه لأزيد من ثلاثة عقود ، فضلا عن تحفيز تلامذته على الانفتاح على الأنشطة الموازية التي تساعد على تفتق مواهب الصغار والصغيرات.
في سن العشرين، ولجت نعيمة التاقي القفص الذهبي، لتصبح سندا قويا لزوجها في العمل التطوعي، قبل أن تشق طريقها الشخصي بحماس وثبات قل نظيرهما، دون أن تعبأ بما واجهها من معيقات وتحديات، مما جعل اسمها يتردد على ألسنة النساء القرويات ، والعديد من نشطاء المجتمع المدني الروداني.
الفضل في اكتساب هذه الحظوة الجميلة يعود للساعات الطوال التي قضتها نعيمة التاقي في محو الأمية بالجماعة الترابية ل”ايت إعزة” ضواحي مدينة تارودانت، لتواصل بعد ذلك هذا العمل الإنساني النبيل في العديد من القرى الموزعة عبر المجال الترابي لجماعة “أحمر الكلالشة” ، ومن جملتها قرية “الحومر”، التي أصبحت مستقرا لأسرتها.
قناعتها الراسخة بخدمة المجتمع جعلها تقبل على العمل كمربية متطوعة في مجال التعليم الاولي بمدرسة مولاي زيدان القروية لمدة ثمان سنوات، كما عملت طيلة هذه الفترة على تنظيم حفلات لتكريم بعض النسوة ، وتأهيل أخريات من اللواتي برعن في بعض المهن النسائية مما أكسبها حبا وتعاطفا كبيرين في أوساط الاسر الشعبية، لاسيما فئتي الأطفال والأمهات.
في هذا الخضم، بادرت “قاهرة الأمية” بدعم من زوجها بتأسيس “جمعية الوردية للتنمية ” مستغلة بذلك توفر فضاء للعمل التطوعي ، وهو عبارة عن “نادي نسوي”، مما ساعدها على تطوير مهارات نساء المنطقة في استخلاص زيت الأركان ، حيث توجت هذه المجهودات بتأسيس تعاونية نسائية ، وتنظيم معرض لزيت ومشتقات الأركان ، انسجاما مع فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
لم يتوقف استلهام السيدة نعيمة التاقي لروح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عند تأسيس تعاونية للأركان، بل امتد ليشمل تأطير النساء وتطوير مهاراتهن المكتسبة في مجالات الطبخ، وصنع الحلويات، وفن السيراميك، ونسج الزرابي … بل امتد عملها التطوعي ليشمل التوعية الصحية، ومن ضمنها التحسيس بأهمية الوقاية من الأمراض المتنقلة جنسيا.
صارت تجربة “جمعية الوردية” بفعل تراكم منجزاتها وإشعاع عملها التطوعي مطلوبة للاقتداء في عدد من القرى ضواحي تارودانت، حيث كانت “فارسة تأهيل النساء القرويات” لا تتردد في تلبية الدعوات التي تتلقاها في هذا الإطار حيث نقلت تجربة الجمعية لعدد من القرى والدواوير من ضمنها “البورة”، و” السوالم”، والنوايل” ، وايت اعمارة” وغيرها .
ظلت فارسة محو الأمية وفية للعمل الاجتماعي التطوعي طيلة 23 سنة، وهي فترة انقطاعها عن متابعة الدراسة، لتقرر في أحد الأيام التقدم لاجتياز امتحان الباكالوريا كمترشحة حرة، وهي في سن الثانية والأربعين، حيث حالفها الحظ في الحصول على هذه الشهادة التي أهلتها لولوج سلك التعليم العالي كطالبة جامعية.
وكما كانت المثابرة ديدنا لها في العمل الجمعوي، كان الاجتهاد سندا لها خلال السنوات الثلاث التي قضتها في رحاب ملحقة كلية الشريعة والقانون بتارودانت، لتتوج مسار دراستها الجامعية بالحصول على شهادة الإجازة خلال الموسم الجامعي 2018 ـ 2019 بميزة حسن.
ـ حسن هرماس ( وم ع)