من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي: ضاع الواجب الاخلاقي

a 42 كُتّاب وآراء
  • من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي: ضاع الواجب الاخلاقي

عنوان يلخص ما تشهده الساحة الوطنية اليوم. في اللحظة التي كانت الحافلة ممتلئة بالركاب، في الوقت الذي يتم فيه الاعتداء على فتاة في آخر الصف…والسائق يسير كأن شيء لا يحدث… لينتظر المحطة القادمة حتى يفتح الباب بطريقته الاعتيادية……

فضل هؤلاء الركاب الانتظار حتى يشاهدون ” الفيديو ” في مواقع التواصل الاجتماعي ليعبروا عن حسهم الانساني، وينددون بشتى الطرق ( الكاريكاتور، الجدية، الاستهزاء)  رافضين هذا الفعل الاجرامي، ليتساءلوا على من يتحمل المسؤولية في هذا الفعل؟ وهل غياب التربية الجنسية كانت عامل من بين العوامل الذي أدى الى الوصول الى ما وصلنا إليه اليوم ( اطفال الحمارة، عصابة فاس، اطفال الحافلة. )؟

الشعب الذي يندد اليوم في هذا العالم الافتراضي، هو نفسه الذي يلتقي مع هذه الظاهرة كل يوم ولا يحرك ساكنا، وإذا ما قام بالتحرك فإنه يقتصر على حمل الهاتف لتصوير مشهد يحقق له ” الپوز ” لأننا شعب يستهلك الفضيحة ويساعد على إيصالها للكل، بل إن هذا الشعب الذي يندد اليوم في هذا العالم الافتراضي هو نفسه ( لا اعمم)  الذي يتربص بفريسته بطرق مختلفة تحت لواء ( النضال، الثقافة، الحب…)

لم يقف الأمر عند هذا الانتقال من الواقع بأحاسيسه، إلى الافتراض بشفراته، بل ان هذا الحدث الشنيع الذي يفترض أن يلتئم فيه الشعب تحت صوت واحد؛ صوت الإنسانية.  فرقهم أكثر مما جمعهم، فثمة من ذهب الى الارتكان الى حِجر الانسانية ( وهو حجر واسع)  وندد بهذا الفعل الذي لا يحاكي، جزما، الجانب الطبيعي في الإنسان كما يدعي أصحاب الدفاع عن ” الجنس حق طبيعي “. وجنس آخر أبا أن يتخلص من عباءة المعتقد ( وهي عباءة ضيقة)  ورمى باللوم على الفتاة وانتقد ملابسها، تحت دعوى أن اللباس الذي كانت تلبسه الفتاة هو دعوة صريحة للشباب حتى يتربصوا بها.

كنت أفضل الصمت، إلا أن الواقع فرض الإدلاء بهذه الكلمات، خاصة إذا ما استوعبنا أن الدولة نفسها لم تعد تستجيب إلى متطلبات الواقع، إلا إذا نجح هذا الواقع في الانتشار في العالم الافتراضي.

لم يمر وقت طويل على دق نقوض الخطر من طرف المجلس الأعلى لمهن التربية والتكوين، الذي أعلن في تقرير ” حزران ” أن المدرسة المغربية تعيش أزمة قيم وانحطاط أخلاقي، وقدم هذا التقرير أرقام مهولة عن تلاميذ انجرفوا عن الطريق وأصبحت الفاحشة في كلامهم تغلب عن الكلمة الطيبة، إلا إن الدولة لم تتفاعل مع هذا التقرير في ارض الواقع لتبدأ بالتحرك وتقدم حلول ناجعة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، والسبب بسيط لأن هذا التقرير لم يكن له تأثير ولا انتشار واسع في مواقع التواصل الاجتماعي حتى يضغط عليها.

اننا نعيش اليوم ازمة هروب، هروب من الواقع إلى العالم الأزرق، هروب ساهم في إفراغ قضية الرأي العام من أساسها، لقد كان يشكل الواقع نقطة ضغط قوية، لأن الازمات تدبر فيه بشكل بطيء، هذا البطء هو الذي كان يساهم في نضوجها وإعطائها مشروعية قوية تجعل الكل يقف متأهبا، أما هذا العالم الذي أصبحنا نتناقش ونتجادل ونتحاور فيه الآن، حكم على القضايا بأن لا تتعدى عشرة أيام لتسارع المعلومات فيه وضبطه من جهة، وخلق قضية تغطي عن سابقتها من جهة أخرى.

ياسين بوفري

 

التعاليق (0)

اترك تعليقاً