لقاء الأحرار في أكادير : محاولة الخروج من الثقافة الإدارية إلى الممارسة السياسية

said maghras jpg كُتّاب وآراء

agadir24 – أكادير24

سعيد الغماز-كاتب وباحث

بحضور السيد عزيز أخنوش، نظم حزب التجمع الوطني للأحرار في أكادير، لقاءً جديدا للتواصل مع ساكنة جهة سوس ماسة. وكباقي اللقاءات الماضية، لم يخرج لقاء أكادير عن محاولة الحزب برئاسة أخنوش، في تنظيم لقاءات شبيهة باللقاءات الجماهيرية التي تقوم بها الأحزاب الوطنية.

إلا أن حضور موائد الأكل في هذه اللقاءات، والاستعانة بشكل أساسي بالعنصر النسوي لملئ القاعة، يشكل عملا دخيلا على السياسة في تاريخ الأحزاب في المملكة الشريفة.

هذا التجديد في حزب الحمامة الذي دشنه السيد أخنوش، جعل المهتم بالسياسة ينظر إلى حزب الأحرار وكأنه يغرق في الشكليات الإدارية، ويبتعد عن روح السياسة.

هذه الورقة التحليلية، تحاول تسليط الضوء على هذه الثنائية التي يتأرجح فيها الحزب برئاسة عزيز أخنوش.

كأي حزب سياسي، عرف حزب التجمع الوطني للأحرار تطورات في تاريخ تواجده منذ تأسيسه من طرف السيد أحمد عصمان سنة 1978. لكن الحزب لم يشهد تاريخا سياسيا حافلا بالأحداث كما هو حال بعض الأحزاب الوطنية التي شهدت أحداثا كبرى في تاريخها، طبعت التاريخ السياسي لبلادنا. نذكر على سبيل المثال لا الحصر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي التي تحولت إلى الاشتراكي الموحد.

من هذا المنطلق، يمكننا أن نميز بين مرحلتين فقط عرفهما تاريخ حزب الحمامة. مرحلة أولى امتدت من التأسيس إلى قدوم السيد عزيز أخنوش رئيسا للحزب. ومرحلة ثانية مرتبطة بأخنوش مغايرة تماما للمرحلة السابقة.

في المرحلة الأولى كان الحزب يعرفه المغاربة بالحزب الإداري. وهو وسم ظل ملتصقا بالحزب نظرا لظروف التأسيس. عرفت هذه الحقبة زعامات متميزة كأحمد عصمان ومصطفى المنصوري، لكن الحزب بقي في مخيلة المغاربة حزبا إداريا، يؤدي الوظائف السياسية التي تُطلب منه. فلم يكن للحزب أدرعا معروفة أو تنظيمات متوازية كالتنظيم النسائي أو الطلابي أو الجامعي أو باقي المهن الحرة كالمحاماة والأطباء والمهندسين وغيرهم. كما أن الحزب كان غائبا تماما عن الجامعة والساحة الطلابية، ولم يكن يهتم بالعمل النقابي. إنها مرحلة تميزت بالأداء الإداري أكثر منه أداء سياسيا يشتغل في كل قطاعات المجتمع.

المرحلة الثانية للحزب بدأت بعد تولي السيد أخنوش رئاسة الحزب في 2017. كما كانت البداية الأولى للحزب متسمة بتقاليد بعيدة عن السياسة (منتخبون أحرارا التقوا في البرلمان ليؤسسوا حزبا سياسيا)، كانت البداية الثانية مرتبطة هي الأخرى بالغرابة البعيدة عن أي منطق سياسي. فلأول مرة في تاريخ الأحزاب، يتسلم رئاسة حزب شخص غير منتم له ولا علاقة له به، بل أكثر من ذلك كان منتم لحزب آخر.

السيد أخنوش حاول أن يُبعد عن حزب الأحرار وسم الحزب الإداري، فاشتغل لجعل الحزب شبيها للأحزاب الوطنية. قام أولا بتقوية مؤسسات الحزب كالمكتب السياسي والمجلس الوطني والمؤسسات المجالية كمجالس الجهة والإقليم والمحليات.

وثانيا اشتغل السيد أخنوش على جعل حزبه يتوفر على المؤسسات الموازية كما هو حال باقي الأحزاب الكبرى. فلأول مرة في تاريخ الأحرار نسمع عن تنظيم طلابي داخل الجامعة تابع للحزب، وتنظيم جديد للأساتذة الجامعيين، إلى باقي التنظيمات الموازية كقطاع المرأة والمهن الحرة خاصة المحامون والأطباء والمهندسون.

في عهد أخنوش، أصبح حزب الأحرار يتوفر على أدرع موازية كباقي الأحزاب، لكنه ظل غائبا في القطاع النقابي. ربما طبيعة تكوين الحزب، وثقافته السياسية البعيدة عن ثقافة النضال، لا تساعده على اختراق العمل النقابي.

إذا كان الحزب عرف في عهد أخنوش، تطورا ملحوظا في توسيع الأنظمة الموازية، فإن حزب الأحرار ظل يعاني من فقر في الإنتاج السياسي، وهو ما يجعل باقي الأحزاب الكبرى تتفوق عليه في الخطاب السياسي. كما أن غياب الحس النضالي الذي يشكل قوة الأحزاب الوطنية، جعله يعاني من ضعف كبير في العمل الميداني، وأعضائه غير قادرين بل عاجزين عن مواجهة مناضلي باقي الأحزاب في الميدان.

هذا ما يتضح في التجمعات التي يقودها الحزب في مختلف المدن. فالسيد أخنوش يريد لتلك التجمعات أن تكون شبيهة لتجمعات الأحزاب الكبرى كالاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية واليسار الموحد. تجمعات هذه الأحزاب تتميز بالشعارات والتدخلات القوية والنقد سواء لقيادات الحزب أو للسياسات العامة في البلاد. وهو ما يفتقر إليه حزب الأحرار نظرا لطبيعة منخرطيه.

أراد أخنوش أن تكون تجمعاته هي الأخرى تعرف ترديد الشعارات القوية، ويَبرز فيها أعضاء الحزب بالحماس وروح النضال والتضحية كما هو شأن الأحزاب الوطنية. لكنه في الأخير يجد نفسه أمام تجمعات باهتة، بدون حماس حزبي، ولا وعي سياسي بين. وما رئيس شبيبة الحزب إلا نموذجا يعكس هذه الحقيقة، حيث أبدع رواد وسائل التواصل في التهكم على مسؤول حزبي كل ما يتقنه هو “أخنوش دار” “أخنوش فعل” أخنوش احسن من كلشي”…
هذا الواقع يفيد أن الحزب في عهد أخنوش عرف تحوّلا تنظيميا بلا مضمون سياسي.

ربما غاب عن السيد أخنوش أن الثقافة السائدة داخل الحزب ليست ثقافة سياسية، بقدر ما هي ثقافة إدارية تشتغل بمنطق التعليمات ولغة التوجيهات. وهي ثقافة لا تساعد على تنظيم تجمعات حقيقية مؤمنة بالأطروحة الحزبية. كما أن حزب الأحرار هو الوحيد من بين الأحزاب الكبرى الذي يربط تجمعاته بالولائم والمأكل والمشرب. وهي ثقافة غريبة عن العمل الحزبي في بلادنا، لأنها تعكس جمهورا لا يرى في حضوره سوى مائدة الأكل، عكس باقي الأحزاب التي يحضرها مناضلون يتنفسون سياسة حزبهم.

نجح السيد أخنوش في توسيع مؤسسات الحزب، ونجح في تكوين منظمات موازية لم يشهدها قط حزب الأحرار خاصة في الجامعة وفي صفوف الطلاب. لكن يبقى أمامه عمل كبير في تغيير ثقافة الحزب، وتعميق الحس السياسي وسط أعضائه. هذا إن أراد السيد أخنوش ترؤس حزب سياسي كباقي الأحزاب الوطنية.

هذا التوجه يتطلب الابتعاد عن خطابات من قبيل “أخنوش غيَّر وجه السياسة” و”كيف لا… وأخنوش هو رئيس الحزب….” وهو الخطاب الذي استقبله الرأي العام بسخرية حتى أن بعض التقارير الإعلامية تحدثت عن انهار عصبي أصاب صاحبة مقولة “كيف لا…”. كما يتطلب بذل جهد في التكوين السياسي لنخب الحزب، لتتبنى خطابا سياسيا راقيا ومقبولا لدى الرأي العام. إننا أمام حزب أراد الخروج من جلباب الإدارة إلى رحاب السياسة، فأصبح فاقدا للهوية الحزبية بعد أن عَلَقَ رأسه في قب الجلباب.

بدون هذا التوجه في تصحيح خطاب الحزب، سيظل وسيبقى حزب الأحرار حزبا إداريا في مخيلة الرأي العام. وبذلك يكون الحزب نجح تنظيميا وفشل سياسيا، تطور حزبيا لكن بدون روح السياسة.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً