سعيد الغماز-كاتب وباحث
بعد تأطيره للقاءات عامة مع الساكنة في أكادير وأولاد برحيل، من المنتظر أن يحل بنكيران مرة أخرى في أكادير لتأطير مؤتمر المصباح الجهوي يوم السبت 05 يوليوز 2025 بمدرج الغرفة الفلاحية.
يأتي الاستعداد لتنظيم المؤتمرات الجهوية لحزب العدالة والتنمية، بعد نجاح مؤتمره الوطني التاسع. والحزب يتجه الآن نحو تعزيز ديناميته التنظيمية بتجديد هياكله، في خطوة تهدف إلى تجديد نخبه وتعزيز حضوره السياسي والانتخابي. وكغيره من الأحزاب، يسعى الحزب إلى توظيف هذه اللقاءات لإعادة ترتيب صفوفه استعدادًا للاستحقاقات المقبلة.
لكن جهة سوس ماسة، بخلاف باقي الجهات، تكتسي رمزية خاصة في المشهد السياسي الوطني، ما يجعلها محط أنظار واهتمام القيادات الحزبية على أعلى مستوى. فقد دأبت الأحزاب الكبرى على تخصيص عناية استثنائية لهذه الجهة، ويتجلى ذلك في حضور الأمناء العامين والقيادات الوطنية لتأطير الأنشطة الجهوية في أكادير وجهة سوس ماسة.
وليس من الصدفة، أن تكون مدينة أكادير وجهة سوس ماسة، تستأثر باهتمام الأمناء العامين لكثير من الأحزاب الكبرى. نبيل بن عبد الله عن حزب التقدم والاشتراكية كان حاضرا في نشاط حزبي بتزنيت، محمد أوزين عن الحركة الشعبية اجتمع بمناضلي حزبه بشتوكة، إضافة إلى قيادات بارزة من حزب الاستقلال كانت في أكادير.
كما أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، قام بتأطير أنشطة حزبية بكل من أكادير وأولاد برحيل، وها هو من جديد يعود لتأطير المؤتمر الجهوي لحزبه يوم 05 يوليوز.
فما سر هذا التركيز اللافت على جهة سوس ماسة؟ ولماذا تتحول أكادير إلى ساحة اختبار حقيقية للثقل السياسي للأحزاب الكبرى؟
الجواب يرتبط بشكل مباشر برئيس الحكومة الحالي، السيد عزيز أخنوش، الذي يرأس في الآن ذاته المجلس الجماعي لمدينة أكادير. فالجهة برمتها يعتبرها حزب الحمامة معقله التقليدي، وهي إحدى أبرز قلاعه الانتخابية. من هذا المنطلق، فإن أي تراجع انتخابي لأخنوش في سوس، وبالأخص في أكادير، سيُعد بمثابة ضربة موجعة لمكانته الحزبية، بل وقد يُنذر بنهاية مساره السياسي على رأس “الحمامة”.
مدينة أكادير، وفق هذا المعطى، ومع اقتراب استحقاقات 2026، تتحول إلى ما يُشبه “دائرة الموت” على المستوى الوطني، كما يصطلح عليه انتخابيًا. لذلك فإن المدينة، ستشهد دينامية حزبية كبيرة، وستعرف صراعا سياسيا في رقعة الجهة لكن امتداداته ستشمل ربوع المملكة الشريفة.
في هذا السياق، تبدو المعركة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار أشبه بصراع استراتيجي تتداخل فيه حسابات التنمية المحلية في أكادير بالرّهانات الانتخابية الكبرى. فالمشاريع الملكية التي تشهدها المدينة – والتي غيرت وجه أكادير بشكل جذري – ستكون في قلب هذه المواجهة.
ومع غياب إنجازات بارزة تُحسب للمجلس الجماعي الحالي بقيادة أخنوش، يُرجَّح أن يلجأ حزب “الحمامة” إلى الاستثمار الخطابي في هذه المشاريع الملكية، ومحاولة نسبها إلى أداء المجلس الحالي. وقد بدأت بالفعل بعض التسجيلات الترويجية تُحاول ربط هذه المشاريع باسم عزيز أخنوش، في مسعى لتسويق صورة مجلسه على أنه رائد في التنمية.
غير أن هذا المسعى سيصطدم بحقائق ميدانية وواقعية، إذ يدرك سكان أكادير جيدًا أن المجلس الجماعي السابق، بقيادة حزب العدالة والتنمية، هو من أشرف على إعداد برنامج التهيئة الحضرية (2020-2024)، بل وكان رئيسه هو من وقّع البرنامج أمام جلالة الملك. ما يمنح حزب المصباح ورقة قوية للدفاع عن دوره في التنمية الحضرية للمدينة، وتفنيد مزاعم خصمه السياسي.
وبينما قد يُراهن حزب الأحرار على المشاريع الملكية، لتعويض ضعف منجزاته كحزب يُسير المجلس الجماعي لمدينة الانبعاث، سيُركز العدالة والتنمية على مساءلة المجلس الحالي عن فشله في بعض الأوراش الحيوية، التي تشكل أكبر الأولويات لدى ساكنة المدينة. وعلى رأس تلك الأولويات إعادة تأهيل مستشفى الحسن الثاني، وتسريع افتتاح المستشفى الجامعي، ومعالجة مشكل مطرح النفايات والنظافة في المدينة، ومعضلة الكلاب الضالة، وظاهرة أطفال الشوارع، وغيرها من المعضلات التي استفحلت في عهد مجلس أخنوش.
المعركة السياسية المرتقبة بين “المصباح” و”الحمامة” في جهة سوس ماسة، لن تكون مجرد منافسة انتخابية عادية، بل ستكون اختبارا حقيقيا لمدى قدرة كل حزب على إقناع المواطنين بخطابه، ومصداقية مرجعيته، ومدى ارتباطه الفعلي بقضايا الناس.
وإذا نجح حزب العدالة والتنمية في فرض رؤيته الانتخابية، وتأكيد دوره المحوري في برنامج التنمية الحضرية 2020/2024، وإذا عرف كيف يجعل من حصيلته التدبيرية خلال الولاية السابقة التي استفاد منها مجلس أخنوش كثيرا ولم يستطع تقديم الأفضل، فإن حزب التجمع الوطني للأحرار، بزعامة أخنوش، سيكون في مأزق سياسي صعب، سواء في أكادير أو على صعيد جهة سوس ماسة.
أكادير إذن، ليست فقط حاضرة اقتصادية وثقافية تتربع وسط المملكة الشريفة، بل أصبحت بوابة سياسية استراتيجية تُبنى عليها حسابات وطنية كبرى لمعظم الأحزاب. ويبدو أن من ينتصر فيها، قد يفرض نفسه في باقي الجهات، ويؤثر بشكل مباشر على التوازنات الانتخابية في الانتخابات العامة المقبلة.
فهل يمكن اعتبار أكادير الطريق الذي يمر منه الفوز باستحقاقات 2026؟
التعاليق (0)