بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام والصناعة الثقافية
في خطوة دبلوماسية وُصفت بالتاريخية، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الرسمي لمنح المملكة المغربية مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، لتمثيل القارة الإفريقية في هذا الجهاز الأممي الحساس.
ويُعد هذا الموقف الأمريكي سابقة تعكس تحوّلًا نوعيًا في موازين الدعم الدولي داخل منظومة الأمم المتحدة.
هذا الدعم يأتي في سياق النقاش العالمي الدائر حول إصلاح مجلس الأمن وتوسيعه، ويُعدّ تتويجًا لمسار دبلوماسي مغربي طويل وممنهج، جعل من الرباط فاعلًا أساسيًا في قضايا السلم والأمن الدوليين، خاصة داخل الفضاء الإفريقي.
- إصلاح مجلس الأمن وتمثيل إفريقيا: لحظة مفصلية
منذ عقود، تطالب القارة الإفريقية بتمثيل أكثر عدالة داخل مجلس الأمن، الذي يضم اليوم خمسة أعضاء دائمين فقط: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا.
ومع تصاعد المطالب بإصلاح هيكلة المجلس، أعلنت واشنطن في سبتمبر 2024 دعمها لإنشاء مقعدين دائمين جديدين مخصصين للدول الإفريقية، ما فتح الباب أمام تنافس إفريقي هادئ حول من سيمثل القارة في أعلى هيئة لصنع القرار الدولي.
في هذا السياق، برز اسم المملكة المغربية كمرشح قوي، بفضل رصيدها الطويل في العمل الإفريقي والدولي، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعلها جسرًا بين إفريقيا والعالم.
- الطموح المغربي: من المبادرة إلى التأثير
لم يأتِ الطموح المغربي نحو العضوية الدائمة من فراغ، بل جاء نتيجة رؤية ملكية بعيدة المدى قادها الملك محمد السادس نصره الله وأيده، ارتكزت على مبدأ “الاستثمار في إفريقيا من أجل إفريقيا”.
وقد عبّر السفير المغربي الدائم لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، عن هذا التوجه قائلًا:
“المملكةمؤهلة لأن تصبح عضوًا دائمًافي مجلس الأمن، لأن المعيار الأساسي هو المساهمةفي حفظ السلام والأمن في العالم.”
وبالفعل، شارك المغرب في عدة بعثات لحفظ السلام في إفريقيا وآسيا، وقدم مبادرات وساطة ناجحة في أزمات إقليمية، إلى جانب مشاريع تنموية رائدة في مجالات التعليم والطاقة والبنية التحتية بعدد من الدول الإفريقية.
- دعم أمريكي يحمل دلالات استراتيجية
يُنظر إلى الدعم الأمريكي للمغرب باعتباره تحولًا استراتيجيًا في الموقف الغربي من قضايا التمثيل الإفريقي.
فاختيار الرباط تحديدًا ليس وليد الصدفة، بل يعكس إدراك واشنطن لعدة معطيات أساسية، منها:
-استقرار سياسي واقتصادي نسبي داخل المغرب مقارنة بعدد من الدول الإفريقية.
-علاقات دولية متوازنة تربط الرباط بالقوى الكبرى دون انحياز حاد.
-دبلوماسية نشطة جعلت من المغرب وسيطًا موثوقًا في النزاعات الإقليمية.
كما أن موقع المغرب الجغرافي عند بوابة الأطلسي والبحر المتوسط يجعله لاعبًا استراتيجيًا في قضايا الأمن الطاقي والهجرة ومكافحة الإرهاب، وهي ملفات تهم القوى الكبرى بشكل مباشر.
- المسار الدبلوماسي المغربي: من إفريقيا إلى الأمم المتحدة
منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، تحركت دبلوماسيته وفق نهج متكامل يجمع بين العمل الميداني في القارة وبناء التحالفات الدولية متعددة المستويات.
وفي هذا الإطار:
-عزّز المغرب حضوره الاقتصادي في إفريقيا عبر استثمارات ضخمة في قطاعات البنوك والطاقة والزراعة.
-لعب دورًا فعالًا في الوساطات الإقليمية، خصوصًا في ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي.
-استثمر في المجالين الديني والثقافي لنشر قيم الوسطية والتعايش، ما منحه احترامًا واسعًا داخل القارة وخارجها.
هذه الركائز جعلت من المغرب، وفق عدد من المحللين، “المرشح الأكثر اتزانًا” لتمثيل إفريقيا داخل مجلس الأمن.
- تحديات أمام الطموح المغربي
رغم الدعم الأمريكي القوي، فإن الطريق نحو المقعد الدائم لا يخلو من تحديات مؤسساتية وسياسية، أبرزها:
-الحاجة إلى توافق أممي واسع لإصلاح ميثاق الأمم المتحدة.
-ضرورة اتفاق الدول الإفريقية على الدول التي ستمثل القارة بشكل دائم.
-بروز منافسة غير معلنة من قوى إفريقية أخرى مثل نيجيريا، جنوب إفريقيا، ومصر.
غير أن المراقبين يرون أن المغرب يمتلك ميزة ناعمة فريدة تتمثل في قدرته على الجمع بين الحياد الدبلوماسي والانفتاح الاقتصادي، ما يعزز حظوظه في نهاية المطاف.
- قراءة تحليلية: المغرب كجسر بين القارة والعالم
إن دعم واشنطن للمغرب ليس مجرد اعتراف بجهوده داخل إفريقيا، بل هو رهان على نموذج استقرار في عالم مضطرب.
ففي زمن تتراجع فيه ثقة الشعوب في المؤسسات الدولية، يبرز المغرب كمثال لدولة تجمع بين الشرعية التاريخية، والفاعلية الدبلوماسية، والواقعية السياسية.
وفي حال تحقق هذا الطموح، لن تكون العضوية الدائمة مكسبًا للمغرب فحسب، بل مكسبًا للقارة الإفريقية بأكملها التي طالما طالبت بمقعد يعبّر عن صوتها داخل مجلس الأمن.
- خاتمة
بين الطموح الوطني والمساندة الدولية، يقف المغرب اليوم على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخه الدبلوماسي.
فالدعم الأمريكي ليس نهاية المسار، بل بداية لتحول استراتيجي في طبيعة تمثيل القارة الإفريقية داخل الأمم المتحدة.
وإن حصل المغرب على المقعد الدائم، فسيكون ذلك تتويجًا لمسار ملكي حكيم ودبلوماسية هادئة جعلت من المملكة نموذجًا إفريقيًا ناجحًا في بناء الجسور لا الجدران.
