أعتقد أن الحجر الصحي سيعيد لرمضان طبيعته الدينية الصحيحة لأول مرة مند 20 سنة، بعد أن تطفلت عادات وتقاليد لم نجد عليها أباءنا وأجدادنا يمارسونها خلال الشهر الفضيل. المساجد مغلقة، و بالتالي سيظهر المتدين المخلص من المتدين “الإمعة ” العديد ممن يحسبون على الدين تكون دوافعهم ظاهرة دون أن يشعروا “نظرة الآخر” لهم، فهم يذهبون للمساجد لارضاء أهوائهم باستجداء نظرة الآخرين لهم، في حين من يصلي في منزله خفية، سيكون أقرب إلى الإخلاص وخاصة في زمن الوباء. فمن بين العادات الدخيلة على طقوس العبادات في شهر رمضان كما يصفها أهل الفقه بالبدع والظلالة ويصفها الفلاسفة بالإنحطاط المظهري لمجتمعات التدين “المتخلف” حسب رأيهم.
وتتجلى هذه الظواهر في المقاهي التي أغلقت و أصبحت أغلبها تفسح المجال لممارسة نوع من القمار فقط في شهر رمضان، ومما يزيد سخط الساكنة المجاورة لأغلبية هاته المقاهي، التي يتسامر روادها حتى مطلع الفج.ر بل الأخطر منها مصارعة المتقامرين عند هزيمة أحدهم مما يحدث ضوضاء وبلبلة في الشارع تؤدي إلى ايقاض من بجوارهم من النائمين، الذين يستيقضوا في الفجر للذهاب الى عملهم. وبالتالي مع زيارة وباء كرونا إختفي المشهد المشين الذي يطبع ليالي رمضان.
أما السهرات الغنائية والرقص الخليجي والغربي.. وأحيانا بإشراف الدولة وتحت الرعاية..، فحدث ولا حرج حيث تدر أغلب الملاهي الليلية أرباح مضاعفة في رمضان من عائدات البهرجة، وتصبح هذه الملاهي أوكار لأزدهار التجارة الجنسية عند فئات عريضة من المجتمع. وبالتالي مع زيارة وباء كرونا إختفى المشهد الخبيث الذي يطبع ليالي رمضان، أما الأسواق التي تعجب بالشباب قبل الإفطار بساعات، عوض أن يشتري الناس حاجياتهم اليومية وينصرفوا بسرعة للتقرب إلى الله في المساجد قبل موعد الإفطار، تجدهم يشكلون مجموعات كفرق (الهوند) ليس من أجل اللعب في “السويقة” وإنما لجعلها حلبة مصارعة وعربدات لشباب مهلوس خارج عن التغطية، مما يسفر عن حالات القتل العمد وبدم بارد كل يوم، لا لشيئ سوى أن ما يسمى الكائن الفضائي الذي يزورنا إلا في رمضان المسمى “ترمضينا” يفعل مايشاء بالعباد مع الأسف. وبالتالي مع زيارة وباء كرونا اختفى المشهد الدموي الذي يطبع أيام رمضان.
أما المحلات التجارية التي تنتضر بفارغ الصبر قدوم الشهر الفضيل من أجل الزيادة في الأسعار لمراكمة أرباحها أضعافا مضاعفة بل أخطر من هذا بيع سلع غدائية منتهية الصلاحية أو لا تتوفر فيها معايير الجودة، وممارسة التدليس والنصب على الصائمين الذين لا ييابدرون غالبا إلى مراجعة مدة صلاحية المنتوجات أو حتى جودتها بسبب ظروف الصيام، وبالتالي زيارة وباء كرونا اختفى المشهد الجشع الدي يطبع أيام رمضان، بعدما قلت المواد الغذائية في الأسواق مما دفع الناس للتقشف و هذا من أخلاقيات الصيام طبعا.
أما الشعودة والسحر فإنقرضت بشكل ملفت وأصبحت تمارس في وسائل التراسل الفوري بين فقهاء الشر ونساء الفسوق، بعد أن كانت في محلات مشبوهة تابعة لسماسرة الدين المزيف، حيث تمارس فيها كافة أشكال الجهل والتخلف الذي لا يمت بالدين الإسلامي بصلة، وطقوس أشبه إلى عبدة الشياطين والعجول. والأخطر منها استغلال فقهاء الشر سداجة النساء لإقناعهم بليلة القدر التي تحقق فيها الأمنيات والغايات، فترى أغلبية النساء يسارعن إلى العطاطرة عوض أن يسارعوا الى الاستغفار والصلاة، يفضلون أن يشتروا بعض الخربشات من الأعشاب السامة والضارة، بل يتجاوزها الى شراء ذيل الحيوانات وجلودهم وألسنتهم مع الأسف الشديد.
وبفضل زيارة وباء كرونا إختفى المشهد المخزي والمقرف الذي يطبع أيام رمضان. ولا ننسى موائد الإفطار الملئية ب 10 أو 15 طبق من المأكولات المتنوعة، والتي نصفها مضر بصحة الصائم، حيث تبارد أغلب العائلات الى التسارع والإجتهاد في تحضير مؤكولات مشحوة بأنواع من الأطعمة والنعم، ليس فقط لإشباع أمعائها، بل كذلك لتصوير المائدة ابتغاء الشهرة وليس ابتغاء مرضاة الله، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتنال بذلك إعجاب فئات عريضة من المتشوقين المتلهفين لأكل تلك الوجبات، أو تحضير مثيلتها في اليوم الموالي، فيصبح موقع التراسل الفوري بين النساء والفتيات مملوء بمراسلات لوصفات هاته المؤكولات، عوض أن يصبح مكان لمناقشة الإرشاد الديني والثقافة العامة والعلوم المتنوعة.
والخطير في الأمر أن 20 في المائة من بقايا طعام الإفطار يرمى في القمامة حسب الإحصائيات مع الأسف، وبفضل زيارة وباء كرونا إختفى المشهد المسرف والمبدر الذي يطبع مواد الإفطار في رمضان. وفي الأخير لا ننسى الإعلام العمومي الذي يدفع له كل شهر من جيوب المغاربة، من خلال فواتير الكهرباء من أجل إغناء الرصيد المعرفي والثقافي والتعليمي للمجتمع. إلا أننا أصبحنا ننأى بأنفسنا في الجلوس على مائدة الإفطار، مع عائلاتنا ونشاهد التلفزة المغربية بجميع قنواتها تبث الإنحلال الخلقي والتطبيع مع الجريمة أي كانت أنواعها، وإباحة أنواع من الممارسات الشادة والحاطة بالكرامة الإنسانية، من خلال برامج تافهة ومسلسلات هجينة هذفها الوحيد إشباع النفس الأمارة بالسوء عوض أن تكون وسيلة لتقديم الحلول الناجعة للمشاكل التي يتخبط فيها المجتمع. كانت هذه بعض الظواهر والتقاليد والعادات بحيث لا يتسع المجال لذكر مجملها. وارتكزت على ذكر الخطيرة منها التي اجتاحت مجتمعنا المغربي مند سنوات، ولم يتمكن الناس من مراجعة أنفسهم وإصلاح ما تم إفساده، لكن الوباء ترك للبعض فرصة لمراجعة الذات وإصلاح ما يمكن إصلاحه من فساد وتبدير وجرائم قبل فوات الأوان أو قبل قدوم الساعة..
هل سيراجع المجتمع ومؤسسات الدولة نفسها بعد كرونا أم سيبقى الحال على ما هو عليه؟؟؟
الكاتب: محمد حمودا
التعاليق (0)