التخصيب النووي: من وقود الطاقة إلى مادة السلاح… أين ترسم الحدود؟

التخصيب النووي: من وقود الطاقة إلى مادة السلاح… أين ترسم الحدود؟ العلوم والتكنولوجيا

agadir24 – أكادير24

يشكل التخصيب النووي اليوم أحد أكثر الملفات حساسية في الساحة الدولية، بالنظر إلى ارتباطه المباشر بالطاقة من جهة، وبالسلاح النووي من جهة أخرى. وتتمثل العملية ببساطة في رفع نسبة اليورانيوم-235، وهو النظير القابل للانشطار، ضمن خليط اليورانيوم الطبيعي الذي يحتوي على نسبة 0.7% فقط من هذا العنصر الحيوي، مقابل 99.3% من اليورانيوم-238 غير القابل للانشطار.

تستخدم معظم المفاعلات النووية المخصصة لإنتاج الكهرباء يورانيومًا منخفض التخصيب تتراوح فيه نسبة U‑235 بين 3% و5%، وهي كافية لتوليد الطاقة دون تهديدات أمنية. لكن حين ترتفع النسبة إلى أكثر من 20%، يصبح الحديث عن الاستخدام العسكري مسألة وقت، حيث يُصنّف اليورانيوم ضمن الفئة عالية التخصيب (HEU)، فيما يتحوّل إلى مادة حربية محضة عندما يبلغ التخصيب نسبة 90% فأكثر.

يوضح الجدول التالي الفئات المعتمدة لتصنيف اليورانيوم حسب درجة التخصيب:

نسبة التخصيب (U‑235)الاستخدام الأساسيمستوى الخطورة
0.7% (طبيعي)وقود خام – لا يستخدم مباشرةمنعدم
3%–5% (LEU)مفاعلات توليد الكهرباءمنخفض
20%–89% (HEU)أبحاث، تجارب، قنابل بدائيةعالٍ
≥90% (أسلحة)صناعة القنابل النوويةأقصى درجة خطورة

تعتمد عملية التخصيب أساسًا على تقنية الطرد المركزي، حيث يُحوَّل اليورانيوم إلى غاز يُدعى UF₆ ثم يُدخل في أسطوانات دوارة بسرعة تقارب 90 ألف دورة في الدقيقة، مما يفصل النظائر وفق كتلتها. وتُربط هذه الأسطوانات ضمن “شلالات” متسلسلة لتحقيق مستويات تخصيب أعلى تدريجيًا، وهي التقنية الأكثر فعالية واستخدامًا حاليًا.

وتشير تقديرات الهيئات المتخصصة إلى أن مصنعًا يضم 6000 جهاز طرد مركزي قادر، انطلاقًا من اليورانيوم الطبيعي، على إنتاج نحو 40 كغم سنويًا من اليورانيوم عالي التخصيب، وهي كمية كافية لصنع قنبلة نووية. أما إذا استخدم المصنع يورانيومًا مخصبًا مسبقًا بنسبة 3.5%، فيمكن إنتاج ما يصل إلى 180 كغم سنويًا من HEU. ويبيّن الجدول التالي الفارق في الإنتاج بناءً على المادة الأولية:

المادة الأوليةعدد الأجهزةالإنتاج السنوي من HEU
يورانيوم طبيعي (0.7%)600040 كغم
يورانيوم مخصب بـ3.5%6000180 كغم

تشكل هذه الأرقام مصدر قلق بالغ للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي، إذ يعني تجاوز عتبة الـ20% من التخصيب دخول منطقة رمادية يصعب التحقق من أهدافها الحقيقية، خاصة إذا ما اقترن ذلك بسرية المنشآت أو غياب الرقابة. ولعل ما يجعل النسبة 90% بالغة الأهمية، هو كونها الحد الذي يجعل من الكتلة الحرجة المطلوبة صغيرة بما يكفي لتوليد انفجار نووي فعّال. فكلما زادت نسبة U‑235، قلت الكمية اللازمة، وتسارع الانفجار.

ورغم التطمينات التي تقدمها بعض الدول بخصوص نواياها السلمية، إلا أن القلق يبقى قائمًا. فالمعرفة بالتخصيب باتت متاحة، والتكنولوجيا تتطور، والتحدي الأكبر اليوم هو ضبط الاستخدام ومنع الانتقال من الطاقة إلى التسلح. ففي عالم متسارع كهذا، لا يكفي إعلان النوايا، بل لا بد من الشفافية الكاملة والرقابة المستمرة.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً