ما ظهر منها و ما بطن : الأيادي الخفية وراء أعمال التخريب الأخيرة بالمغرب

أخبار وطنية

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

عرفت مدن مغربية عدة في الأيام الماضية موجة احتجاجات انطلقت في إطار مطالب اجتماعية مشروعة، لكن سرعان ما انحرفت بعض هذه الوقفات عن مسارها السلمي لتتحول إلى أعمال شغب وتخريب استهدفت الممتلكات العامة والخاصة. غير أن المتتبع المتبصر يدرك أن ما وقع لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تدخلات خارجية وأيدٍ خفية تحاول استغلال الوضع لضرب استقرار المغرب وتشويه صورة احتجاجاته الحضارية.

  • المعطيات الميدانية: تورط عناصر انفصالية

في عملية نوعية، تمكنت مصالح الدرك الملكي بمراكش يوم 2 أكتوبر من توقيف عنصرين يشتبه في انتمائهما إلى جبهة البوليساريو الانفصالية، بعد تورطهما المباشر في الهجوم على مقر الدرك الملكي بمدينة تامنصورت. حيث أقدما على إضرام النار في مدخل المرفق الأمني وإحراق سيارتين وظيفيتين. التحقيقات الأولية أكدت أن الموقوفين قدما من الداخلة خصيصًا للمشاركة في هذه الأعمال التخريبية، ما يعكس وجود مخطط منظم يتجاوز العفوية الاحتجاجية.
ولم تكن هذه الحادثة معزولة، بل تزامنت مع سلسلة اعتداءات طالت مؤسسات عمومية وخاصة في إنزكان وسيدي بيبي والقليعة، حيث تم إحراق بنوك ومقاهٍ وصيدليات ومقرات جماعية. وهو ما يطرح سؤالًا مشروعًا: من له المصلحة في إثارة هذه الفوضى وتغذية العنف داخل الحراك الاجتماعي؟
الأيادي الخفية: عندما تمتد خيوط التخريب من الميدان إلى الفضاء الرقمي
خبراء الأمن السيبراني حذروا مرارًا من الترابط الوثيق بين الفضاء الرقمي والميدان الاجتماعي. ففي تصريح حديث، شددت الباحثة لطيفة شكري على أن الأمن الوطني لم يعد يقتصر على حماية الحدود والشوارع، بل أصبح يشمل كذلك حماية السيادة الرقمية من الاختراق والتضليل. فالحملات الممنهجة عبر منصات التواصل لعبت دورًا في تضخيم الأحداث، ونشر الأخبار الزائفة، وشحن النفوس ضد المؤسسات، في محاولة لتأجيج الشارع وإخراج الاحتجاجات عن مسارها السلمي.
ويبدو واضحًا أن هناك علاقة جدلية بين الأمنين الميداني والرقمي: أي اختراق للفضاء السيبراني يمكن أن يتحول إلى شرارة اضطرابات في الواقع، والعكس صحيح، إذ تفتح الاحتجاجات غير المنضبطة المجال لمزيد من الحملات التضليلية الرقمية.

  • مطالب دخيلة على الثقافة الشعبية

كما أظهرت الأحداث الأخيرة، فإن بعض الشعارات التي رُفعت لم تعبّر عن الأولويات الاجتماعية الحقيقية للمواطن المغربي، بل بدت غريبة عن الثقافة الشعبية الوطنية. من ذلك الدعوات المفاجئة لإلغاء فعاليات رياضية محبوبة لها مكانة خاصة في قلوب المغاربة، وهو ما يفضح بصمة محاولات خارجية تسعى لاستغلال المزاج العام من أجل زرع الانقسام وتشويه صورة الحراك. إن هذا النوع من المطالب لا يعكس وعي الشارع، بل يعكس أجندات دخيلة تستوجب من كل مواطن التحلي باليقظة والحذر.

  • الوطن بين جذوره وتحدياته

الوطن يشبه شجرةً عظيمة، جذورها ضاربة في التاريخ، وأغصانها ممتدة نحو المستقبل. لكن بين الجذر والفرع، هناك من يسعى لنخر الخشب، حتى يحرم الناس من ظلها وثمرها. غير أن قوة المغرب تكمن في وعي شعبه، وفي إصراره على حماية وحدته الوطنية وصون مؤسساته من العبث.
الاحتجاج السلمي حق مشروع كفله الدستور والقانون، وهو وسيلة حضارية للتعبير عن المطالب الاجتماعية. لكن لا وألف لا للفوضى والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، لأنها ليست سوى ورقة في يد أعداء الوطن يراهنون عليها لإضعاف المغرب.

  • خاتمة: يقظة شعب ووعي جيل

ما جرى مؤخرًا يكشف أن التحديات التي تواجه المغرب لم تعد مرتبطة فقط بجبهات الحدود، بل صارت معركة مركبة تشمل الميدان الرقمي، والإعلامي، والاجتماعي. لكن الأمل يظل قائمًا في وعي الجيل الجديد، القادر على سقي شجرة الوطن بالعدل والتماسك والوحدة، حتى تظل مورقة مثمرة، تظلّل الجميع بلا استثناء.