مأساتي مع الحركة الانتقالية..

a 61 كُتّاب وآراء
الحركة، اسم درس في النشاط العلمي درّسته عشرات المرات بصّيغ متنوعة، تغيّر إخراج الدّرس بتغيّر البرامج والمقررات عبر السنوات المتوالية، وبقي معناه ثابتا في ذهن تلامذتي الصغار.
الحركة، اسم درس كبير طويل مرعب مؤرق في برنامج حياتي، درس تكرّر مرارا في صفحات تجربتي المهنية وكانت النتيجة دوما أني لم أستطع أن أفهمه ولا أستوعبه، فكنت بحاجة لأن أطلب من الأستاذ إعادة الشرح كل سنة علّني أفهم الدرس، لكن بدون جدوى، فالأستاذ كان دائما منشغلا عني بالآخرين، الذين فهموا بسرعة أكثر مني أنا البطيء في الفهم مثل غيري- من الذين لم يبتسم لهم الحظّ وابتسمت لهم في مقابله السبورات المشروخة في جدران أقسام منفيّة في كنف جبال الوطن المنسيّة.
ها أنذا أكتب الآن لأعبر عن بهجتي المرّة بأني فهمت أخيرا الدرس، وابتسم لي الحظ بعد سنين طويلة من العمل الشّاق في قريّة منفيّة هنالك في البعيد البعيد.. خمسة عشر سنةً بالتمام والكمال قضيتها هنالك( وأحجب اسم القرية واسم النيابة لظروف شخصية خاصة).. تحملت طوال هذه الفترة أزمات من نفسية واجتماعية حادة جعلتني أخسر الكثير مما خططت له وحلمت به في تلك البدايات السعيدة، يوم عُيّنت بالمدرسة الفرعية بصفة “معلم”، وكنت حينها أسعد خلق الله وأفرحهم، فأنا “معلم” وبعد سنتين سأنتقل إلى المدينة وأتزوج من “حليمة” خطيبتي التي ستنتقل هي الأخرى، وقد تعرفنا في مركز تكوين المعلمين بتيزنيت، وشاءت الظروف أن نتباعد في التعيين تباعدا فظيعا، لكن الحلم في الزواج والاستقرار في المدينة بدّد تلك الفظاعة.
السنتان كانتا طويلتان، طويلتان جدا، لدرجة أنه بعد انتهائما مباشرة اكتشفت أني على مشارف الأربعين، شخصُ عازب بلا مستقبل وبخسارات فادحة في الحياة،  بينما أصبحت حليمة- طليقتي- أمّا لأربعة أبناء، في غضون تلـك السنتين فقط.
انتهت السنتان قبل أقلّ من شهر، لتُعلن نتائج الحركة الانتقالية وأجد اسمي أخيـــــرا ضمن لائحة المنتقلين للمدينة التي حُلمت بالعمل والاستقرار فيها بعد تعييني بتلك القرية سنة 2002، هل كنتُ غبيّا بليدا حينما حلُمت أني سأنتقل بعد السنتين؟
لا أحدّثكم أيها السادة عن خساراتي الطافحة ولا عن نجاحاتي المنعدمة في هذا المقال، سوى أني انتقلت لمدينتي خريبكة، بعد أن عشت 15 سنة من العمل، مرّت بئيسة بؤس حياتي وشقاءها، ولقد دفعتُ ثمنا باهضا في مكوثي الاضطراري هنا، بحيث لم يبقَ لي شيء في الحياة بعد أن تبدّدت كل طموحاتي في تلك الجغرافيا القاحلة ماديا ومعنويا. وكان ذلك سببا في إدماني الكحول والمخدرات وتعاطي الدعارة والكثير من الموبقات…
كل ذلك كان بسبب تأخري في الانتقال، وبسبب ذلك التأخر تزوجت وطلقّت، وبسببه تأزّمت علاقتي بعائلتي لدرجة القطيعة، وبسببه تراكمت ديوني المّالية وتضخّمت دون أن أحقق منها ولو شقّة تأويني، وبسببه تبلّدت فكريا، وماتت عزيمتي في التثقيف الذاتي والمعرفي، وبسببه أصبحت مريضا نفسيا يعيش بالحبوب المسكنّة ويزور طبيبه النفسي كل ثلاثة أشهر ليوهمه أنه في تحسّن وأنه يجب أن يبدأ صفحة جديدة في حياته.
دخلتُ تلك القريّة محبّا لأهلها ومواضبا على الصلاة في مسجدها، وها أنذا أغادرها سكيرا عربيدا لاعنا أهلها ومدخرا في دواخلي سبابا لاينتهي لهم.
أ.ح

التعاليق (0)

اترك تعليقاً