بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
شهدت مدينة وهران الجزائرية مؤخراً حدثاً كان من المفترض أن يعكس نفوذ الجزائر الإقليمي، لكنه انتهى بانكشاف هشاشة استراتيجيتها الدبلوماسية. استضافت الجزائر الندوة الـ12 رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا، لقاء روجت له على أنه فرصة لتأكيد دورها القيادي في القارة، مستثمرة التمويلات الضخمة والهدايا واللوبيات الدبلوماسية لضمان مواقف مؤيدة.
لكن الأمور لم تسر كما خططت لها، إذ شهد الملتقى فشلاً دبلوماسياً واضحاً، تمثل في عدم صدور أي بيان ختامي. وجاء السبب وراء ذلك محاولة وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، فرض اسم ما وصفه البعض بـ”الكيان الوهمي” داخل الوثيقة الختامية، في خطوة اعتبرها المشاركون تجاوزاً للشرعية الدولية ومحاولة لتكريس أجندات غير مقبولة.
وقد كانت المفاجأة الكبرى من نصيب وزير خارجية كوت ديفوار، السيد كاكو ليون أدوم، الذي تصدى للمناورة بقوة، مؤكداً على دعم بلاده للوحدة الترابية للمغرب ورفض أي محاولة لتغيير الواقع الدولي المعترف به. هذا الموقف الصريح أنهى أي محاولة للتلاعب بالوثيقة، وكشف أن المال السياسي والهدايا لن تستطيع التأثير على مواقف الدول التي تحرص على المبادئ والشرعية الدولية.
تحليل الحدث يظهر أن الجزائر أخطأت في تقدير الموازين الإقليمية. فقد راهنت على أسلوب استمالة المشاركين بالتمويل والهدايا لتحقيق مكاسب سياسية، متجاهلة أن الدبلوماسية الحديثة تعتمد على المصداقية والاحترام المتبادل للقوانين والمواثيق الدولية. وبالتالي، لم تعد قدرتها على إدارة الملفات الأفريقية مرادفاً للنفوذ، بل ظهر محدوداً أمام الدول التي تتمسك بمبادئها.
على صعيد آخر، يعكس الموقف الموحّد لبعض الدول الأفريقية اتجاه قوى إقليمية كبرى للابتعاد عن الاستقطابات السياسية، والحرص على عدم الانزلاق إلى لعبة المحسوبيات والهدايا السياسية. كما أن الحدث يكشف عن أزمة استراتيجية داخل النظام الدبلوماسي الجزائري، حيث تبين أن الاعتماد على النفوذ المالي وحده لا يكفي لتمرير سياسات خارجية مثيرة للجدل.
في النهاية، تحولت وهران من منصة يُفترض أن تبرز قدرة الجزائر الإقليمية إلى مسرح صفعة دبلوماسية مدوية، تؤكد أن القوة السياسية الحقيقية ليست في المال أو الدعاية، بل في المواقف الثابتة والاحترام الدولي للقوانين والحقائق الواقعية. الجزائر، التي سعت إلى تحقيق نصر دبلوماسي داخلي وخارجي، خرجت من الملتقى بلا بيان، بلا انتصار، وبصفعة مدوية أمام المجتمع الدولي وأمام أفريقيا برمتها.
