في زمن الرشاوى الانتخابية… حتى الكلاب أصبحت وسطاء السياسة!

مجتمع

بقلم: عبد الله بن عيسى – أكادير24

تتكرّر الوجوه نفسها، في كل موسم انتخابي، والوعود ذاتها، والسيناريو ذاته، لكنّ الفرق هذه المرّة أنّ الوعي الشعبي بدأ يتساءل.. من الصيّاد، ومن الفريسة، ومن ذلك الكلب الذي يحمل الفريسة للصيّاد؟

حين يُستعمل المال في الانتخابات، تُغتال السياسة، ويُغتصب معنى الديمقراطية. فالمعركة لم تعد صراع أفكارٍ أو تنافس كفاءاتٍ، بل أصبحت ساحة مفتوحة لشراء الولاءات وتوزيع الأوهام. بعض المرشحين يتوهّمون أنّهم الصيّادون الأقوياء الذين يمسكون بخيوط اللعبة، لكنّهم في الحقيقة فِرَسٌ طيّعة لوهم السلطة، وعبيدٌ لرغبة التملّك.

غير أنّ الأخطر من هؤلاء هم أولئك الذين يتوسطون المشهد.. من يبيعون ضمائرهم في الظلّ، فيقدّمون الفريسة للصيّاد مقابل فتاتٍ من المال أو وعدٍ بمصلحة عابرة. هؤلاء لا يؤمنون بفكرة ولا ينتمون إلى مبدأ؛ إنّهم أدوات لتزييف الوعي، وممرّات لتخريب السياسة من الداخل. فحين يتحوّل الناشط إلى سمسارٍ انتخابي، والمواطن إلى رقمٍ في قائمة توزيع الأموال، تموت الكرامة السياسية، وتُفرّغ الديمقراطية من معناها.

السياسة، في أصلها، فعل شريف لبناء الأوطان، لكنّ المال حين يتسلّل إلى نسيجها يحوّلها إلى تجارةٍ خاسرة. فالصوت الذي يُشترى لا يُحترم، والمقعد الذي يُنتزع بالرشوة لا يُدافع عن الشعب. إنّها معادلة بسيطة.. كلّما ارتفع سعر الصوت، انخفضت قيمة الوطن.

إنّ من يقبل أن يُستعمل كجسرٍ يعبر عليه الفساد لا يختلف عن من يغذّيه، لأنّ الصمت أمام المال الفاسد مشاركة فيه، وتبريره خيانة ناعمة. الوطن لا يحتاج إلى مزيد من الصيّادين ولا إلى فرائس جديدة، بل إلى مواطنين أحرارٍ يرفضون أن يكونوا أدوات في يد من يبيعون المستقبل بالدرهم.

ليست السياسة ساحة صيدٍ للذئاب، بل عقد شرفٍ بين الإنسان والأرض. ومن يختار أن يكون كلبًا عند أبواب الصيّادين، فقد حكم على نفسه بالنبذ في أول لحظة يُغلق فيها الباب.

أيها المواطن، لا تكن الفريسة التي تُساق نحو الصندوق بقطعة نقد، ولا تكن الوسيط الذي يُبرّر الفساد بثوب الواقعية. كن الصيّاد الشريف الذي يصطاد الفساد بالوعي، ويطارد الجهل بالموقف، ويدافع عن صوته كما يدافع عن كرامته.

لأنّ الكرامة لا تُشترى، والصوت لا يُباع، والوطن لا يُدار بالأموال بل بالعقول النظيفة.