خارج الحدود

فرنسا: الجمعية الوطنية تحجب الثقة عن حكومة بايرو… سقوط جديد يهزّ المشهد السياسي

صوّتت الجمعية الوطنية الفرنسية مساء الاثنين 8 شتنبر 2025 لصالح حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، في اقتراع أنهى عمر الحكومة بعد نحو تسعة أشهر من تولّيها، وألزم بايرو بتقديم استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون صباح الثلاثاء، وفق ما أكدته قنوات ومواقع فرنسية رسمية وإخبارية.

وبحسب رويترز وBFMTV، جاءت النتيجة بـ364 صوتًا مؤيدًا لحجب الثقة مقابل 194 رافضًا، ما يضع الإليزيه أمام خيار تعيين رئيس وزراء جديد أو حلّ الجمعية الوطنية في ظرف بالغ الاستقطاب.

تقدّمت المعارضة بملف الحجب على خلفية برنامج ضبط مالي صارم قدّمه بايرو لميزانية 2026، تضمن تخفيضات قاربت 44 مليار يورو وإجراءات رمزية حسّاسة اجتماعيًا، بينها إلغاء يومين عطلة، وهي مقترحات أثارت ردود فعل متباينة داخل البرلمان وخارجه، كما زادت حدّة الجدل حول العجز والمديونية.

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أنّ خطة التخفيضات هذه كانت في صلب المواجهة التي انتهت بإسقاط الحكومة في اقتراع اليوم.

قبل التصويت، ألقى بايرو “خطاب السياسة العامة” وأقرّ بصعوبة الظرف، قائلًا تحت قبّة البرلمان إن “تصويتًا لن يمحو الواقع” في إشارة إلى ضغوط العجز والدَّين، غير أنّ النتيجة جاءت حاسمة لصالح الحجب، كما نقلت قناة “بوبليك سينا”. وبعد الإعلان الرسمي، أكدت “لوموند” سقوط الحكومة وأنّ ماكرون بات مطالبًا بابتكار مخرج سياسي قادر على تمرير الميزانية المقبلة في برلمان منقسم.

يعيد هذا التطور إنتاج مشهد الهشاشة الحكومية الذي لازم الحياة السياسية الفرنسية منذ انتخابات 2024 المبكّرة؛ فالمشهد الحزبي المشرذم لم يُنتج أغلبية مريحة لأيّ معسكر، وهو ما يعقّد مهمة اختيار رئيس وزراء جديد يحظى بدعم كافٍ لتمرير القوانين المالية. ووفق رويترز، يأتي سقوط بايرو ليعمّق أزمة الحكم، ويضع ضغوطًا إضافية على الإليزيه قبل الاستحقاقات المالية والاجتماعية لخريف هذا العام.

في الأفق الدستوري، يملك الرئيس خيارين كلاسيكيين: تعيين رئيس حكومة جديد قادر على تشكيل فريق يحظى بثقة الأغلبية، أو حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات جديدة؛ وتشير بوابة “في بوبليك” (الموقع المؤسسي الفرنسي) إلى أن الحكومة لم تنل الثقة في التصويت الذي ربطه بايرو بمسؤوليته، ما يفتح تلقائيًا باب الاستقالة وتقدير القرار لدى رئيس الدولة، مع العلم أن حلّ المجلس—إن تقرر—يؤدي إلى انتخابات خلال أجل يتراوح تقليديًا بين 20 و40 يومًا من تاريخ الحل.

اقتصاديًا، تواجه باريس مسارًا ماليًا حساسًا مع عجز تخطى السقف الأوروبي ومديونية تناهز 114% من الناتج، ما يجعل تمرير ميزانية 2026 اختبارًا جوهريًا للحكومة المقبلة. وقد ربطت تقارير دولية بين الاضطراب السياسي وتزايد يقظة الأسواق ووكالات التصنيف تجاه قدرة فرنسا على تنفيذ مسار تصحيحي واقعي دون كلفة اجتماعية مفرطة، وهي معادلة ستؤطر على الأرجح مفاوضات الأيام المقبلة بين الإليزيه والكتل البرلمانية.

وبينما لم تتضح بعد ملامح خليفة بايرو ولا صيغة الأغلبية التي ستحمل الحكومة التالية، تبدو المعادلة السياسية محكومة بحوار صعب بين كتل متنافرة حول أولويات الإنفاق والإيرادات، وسط رأي عام مثقل بتداعيات التضخم وتشدد شروط الاقتراض. وفي المحصلة، تثبت نتيجة الليلة أنّ تحدي “الحكامة عبر التوافق” سيبقى العنوان الأبرز في فرنسا خلال الأسابيع المقبلة، ريثما تتبلور خارطة طريق جديدة لميزانية 2026 ومسار الاستقرار التنفيذي.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً