ع ب/أكادير24
الهجوم الذي طال مذيعة أخبار قناة «دوزيم» سناء رحيمي بسبب قولها «عيد ميلاد جلالة الملك الـ72» بدل «الـ62» ليس مفهومًا ولا منصفًا.
ما حدث زلة لسان بشرية في بثّ مباشر تُلقى فيه الكلمات خلال ثوانٍ وتُسمَع من ملايين المشاهدين، وتحت ضغط مهني ونفسي لا يدركه إلا من عاش دقائق الأستوديو. تحويل خطأ عرضي إلى محاكمة للنوايا تهوّر لا يليق بجمهورٍ يعرف قيمة الإعلام العمومي ولا بمكانة صحافية يشهد لها رصيدها بالاتزان والالتزام.
الفرق واضح بين «خطأ معلوماتي» يُصرّ عليه صاحبه وبين «هفوة لفظية» يصحّحها فورًا ويعتذر عند اللزوم. الأولى تمسّ جوهر المعلومة، والثانية عثرة عابرة لا تقوّض الثقة. تقدير هذا الفرق جزء من ثقافة إعلامية صحية تحترم الناس ولا تسقط في فخّ التشهير السهل.
الأستوديو المباشر بيئة عالية الكثافة… سماعات تتدفّق منها التعليمات، مؤقّتٌ يعدّ الثواني، شريطٌ إخباري يتحرّك، صور تتبدّل، ونصّ يُقرأ ويُرتجل. أي تعثر لحرف أو رقم هو احتمالٌ واقعي مهما بلغت الخبرة ودقّة التحضير. لذلك تعتمد المؤسسات الجادّة بروتوكولاتٍ للتصحيح الفوري… إعادة الصياغة في الجملة الموالية، أو تنبيه قصير للمشاهد، أو تصويب لاحق في المنصّات الرقمية. الهدف أن يبقى معيار الحكم هو «سرعة التصحيح» لا «شدّة اللوم».
ما يُقلق في هذه الواقعة ليس الخطأ بحدّ ذاته، بل «الاجتزاء» الذي يغذّيه بعض مستخدمي المنصّات.. قصّ ثوانٍ من بثّ طويل، وإلباسها تأويلات لا صلة لها بالقصد. هذا المسلك يضرّ الثقافة العامة ويشوّش على وظيفة الصحافة في خدمة الناس. النقد حقٌّ وضرورة، لكنّ التشهير ليس نقدًا؛ هو إساءة مضاعفة تطال الفرد والمؤسسة وثقة الجمهور معًا.
احترامنا لمهنة الصحافة يقتضي أن نميّز بين «الخطأ» و«التقصير». الخطأ يقع ثم يُعالج؛ أما التقصير فهو الإخلال بالواجب عمدًا أو استهانةً، وهو ما لا ينطبق على مذيعةٍ معروفة بالتحفّظ المهني واحترام الضوابط. إنّ قرينة «حسن النية» ينبغي أن تبقى أصلًا في تقييم العاملين في الواجهات الإعلامية، لا سيما حين لا توجد أي مؤشّرات على الاستهتار أو التعمد.
لنتذكّر أيضًا أنّ الإعلام العمومي مرآةٌ لهيبة الدولة ومؤسساتها، وأنّ المسّ المعنوي بالعاملين فيه عبر حملات تنمرٍ رقمية يضعف هذه الهيبة من حيث نحتسب أننا ندافع عنها. دعمنا للمرفق العام يمرّ عبر تعزيز ثقافة التصويب الهادئ، لا عبر إشعال محاكم التفتيش الافتراضية.
نعم، من حقّ الجمهور أن يطالب بأقصى درجات الدقّة، ومن واجب القنوات أن تستثمر أكثر في غرف الأخبار، والمراجعات، وتمارين المحاكاة، وإدارة الضغط النفسي للمذيعين. لكن من حقّ الصحافيين أيضًا أن يُمنحوا هامش الخطأ الإنساني المعقول، وأن يُحاكموا على مجمل الأداء لا على ثانيةٍ زائغة.
الأجدر اليوم أن نقول…شكراً لمن يواجه الكاميرا كل مساءٍ ليقدّم لنا خدمةً عامة في ظروفٍ ليست مثالية. والأجدر أن نتمسّك بمعادلة بسيطة.. تصويبٌ سريع + اعتذارٌ إن لزم + استمرارٌ في العمل = مهنية. أمّا التشهير والشيطنة فهما الطريق الأقصر إلى بيئةٍ طاردة للكفاءات، وإلى صحافة تخاف من الكلمة بدل أن تحرسها.
سناء رحيمي، مثل غيرها من زملائها، ليست فوق النقد؛ لكنها أيضًا ليست هدفًا مشروعًا لحملاتٍ تنال من الكرامة. فلنحفظ معيارًا عادلًا… زلة لسان لا تُلغي رصيدًا مهنيًا، والاحترام لا يسقط بخطأٍ عابر. دعمُنا للمذيعة اليوم هو دعمٌ لحقّنا نحن في إعلامٍ قويّ، رصين، وإنساني في آنٍ واحد.