هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه جريدة أكادير24 بأي شكل من الأشكال.

رأسمالية الإبادة والموت والتجويع تحول غزة إلى “غنيمة عقارية” للمحتل وحليفه

كُتّاب وآراء

ذ.محمد بادرة

قال وزير مالية الكيان الصهيوني بتسلئيل سموتريتش أنه بدأ التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن ما وصفه بتقاسم أراضي قطاع غزة والتي اعتبرها غنيمة عقارية، وجاءت أقوال المتطرف سموتريتش خلال مشاركته في مؤتمر عقاري بمدينة تل ابيب وفق ما نقلته صحيفة (يديعوت احرنوت) والتي أشارت الى أن حديثه يأتي على خلفية الرؤية المتداولة في ادارة الرئيس الامريكي الحالي التي تصف اعادة اعمار غزة بأنها استثمار عقاري مربح، كما كشفت صحيفة (واشنطن بوست) عن خطة يجري تداولها في أوساط الادارة الأمريكية لإعادة اعمار غزة تحت وصاية أمريكية لا تقل عن 10 سنوات مع تحويلها الى منتجع سياحي ومركز للتكنولوجيا المتقدمة.

ولأجل أن تكون غزة مشروع غنيمة عقارية ارتكبت حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من اكتوبر 2023 ابادة جماعية خلفت أكثر من سبعين ألف شهيدا وأكثر من مائة وسبعين ألف مصابا من الفلسطينيين ومجاعة ما تزال تزهق أرواح المئات من الفلسطينيين.

حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الصهيوني تتشابك فيها المصالح الاقتصادية مع الولايات المتحدة وهي حرب تلتهم الأرواح البشرية البريئة لتغذية المصالح الاقتصادية وكأننا أمام (رأسمالية أكلة لحوم البشر) أو كما في وصف نانسي فريزر (رأسمالية تعتمد هيكليا على الاستيلاء القسري على الأرض والثروة من الشعوب المستضعفة) انها بتعبير واضح وفاضح هي (رأسمالية الموت) كما وصفها الفيلسوف الألماني رالف دارندورف وهي مرحلة من الرأسمالية يصبح فيها الموت والمعاناة البشرية سلعة أساسية للتبادل والاستهلاك !!!

ان الابادة الوحشية للإنسان الفلسطيني تبين أن الجوهر الحقيقي للكيان الصهيوني هو أنه نظام سياسي يربط الإبادة بالنظام الاقتصادي الرأسمالي، فالسيطرة التامة على الأرض وعلى الموارد الطبيعية وجعلهما قابلين للتبادل والاستهلاك او للبيع هو ما ينفي ان تكون هذه الحرب وغيرها من الحروب العربية – الاسرائيلية حروبا قومية ودينية – فقط – بل ان وراءها حاجات ومصالح اقتصادية ( غزة غنيمة عقارية !!!) كما أن غزة والضفة ولبنان وسوريا … هي حقل تجارب لتطوير أنظمة الأسلحة التي يتم تسويقها كسلعة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وبالتالي فالنظر الى دولة الاحتلال على أنها دولة صهيونية دينية هو تقييم قاصر لأن الكيان الصهيوني لم يتقوى بقوميته وديانته وانما –كذلك- بهياكله ومصالحه الاقتصادية حيث يلتهم هذا النظام الرأسمالي القاتل الأرواح البشرية ويستولي على الثروة ويبادل موت الاخرين وكأنها سلعة.

انها صورة قاتمة وحشية لرأسمالية الموت في ارض غزة وتدفع الى القول ان القتل والعنف والتجويع هو الة من أجل الربح والمصالح والمنافع الذاتية.

ألم يسبق لكارل ماركس من موقعه المعارض للنظام الراسمالي وموقفه الاجتماعي والفلسفي الرافض للدولة الدينية مسيحية كانت أم يهودية ان عبر عن رأيه حول المسالة اليهودية في كتابه (المسألة اليهودية) الصادر في سنة 1843 وفيه ينتقد البورجوازية والرأسمالية ويرى أن تحرر الاسرائيلي او اليهودي يتطلب تجاوز الدور المالي (التاجر) الذي لعبه تاريخيا والذي يتطابق مع دور المال في المجتمع الرأسمالي !!

ولقد حاول الفيلسوف الألماني في عدد من مقالاته استقصاء شخصية الاسرائيلي التي يرى أنها تكمن وراء عبوديته التاريخية فوجدها في شخصية (التاجر) لا في شخصية (الحاخام)… وفي هذا الشأن يقول أن (المال هو اله الإسرائيلي وهو ما ينسحب كذلك على العالم المسيحي كله) ويستخلص ماركس تفسيرا لبقاء اليهودية الى جانب المسيحية على أنه لا يقوم فقط على أن الأولى تشكل النقد اللاهوتي للثانية ومصدر الشك في أصلها الديني وانما أيضا على كون الروح العملية اليهودية قد استمرت في العالم المسيحي حتى أنه أصبحت اليهودية في تحليل ماركس وجها اخر للرأسمالية ويصبح العالم الرأسمالي مرادفا جديدا للهيكل..).

وفي كتاب (العائلة المقدسة ) يعتقد ماركس أن العالم الذي خلقته الرأسمالية اليوم هو (عالم يهودي بأسره حتى الصميم) ويقصد أنه عالم التجارة والملكية الخاصة وعبادة المال، ولا شك أن هذه الآراء الماركسية كانت قاسية عليهم كل القسوة لأنهم في نظره أناس يعبدون الله والمال ولا يريدون التخلي عن أي منهما حتى أن رأيه هذا فتح عليه أبواب النقد الجارح وعاصفة من العداوات والصراعات بين عدد من زملائه من الفلاسفة والكتاب في عصره واستمرت الى اليوم.. الى حد اتهامه أنه معاد للسامية أي معاد لليهود بوصفهم “الشعب السامي” ومن الذين اتهموه بتهمة معاداة السامية الكاتب المتمركس روبير مزراحي الذي قال عن ماركس انه (لاسامي) لأنه (لا يبالي باضطهاد اليهود ) ولأنه (يكن لليهود حقدا أعمى).

لكن الحقيقة هي أن كارل ماركس يقف اصلا ضد الدين والتجارة والملكية الخاصة وبحكم منهجه الفكري والسياسي فنظرته للإنسان اليهودي او الاسرائيلي هو جزء من ظاهرة أشمل هي العالم البورجوازي القائم على المصلحة الذاتية يندمج فيها الدين والتجارة والملكية الخاصة.

هكذا فالملمح الرئيسي لحرب غزة أو الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هي حرب ليست على شاكلة الحروب الصليبية والدينية السابقة وانما في عمقها مشروع استيطاني استعماري يقوم على ابادة السكان الأصليين وتهجيرهم لأجل مصالح تجارية (غزة غنيمة عقارية كما قالها المتطرف سموتريتش).. اننا اذن أمام رأسمالية الموت التي تقوم على اقتصاد الإبادة الجماعية لتامين الموارد الطبيعية واقامة المشاريع التجارية والسياحية قصد تحقيق الأرباح… انها رأسمالية الابادة وهي قادمة بقوة وبعنف ولن تكون غزة اخر الفظاعات التي ترتكبها القوى الاستعمارية الجديدة ؟؟؟؟