حين نصمت عن الإساءة.. كيف أصبح المجتمع المغربي يطبع مع العنف اللفظي دون أن يدري؟

 حين نصمت عن الإساءة.. كيف أصبح المجتمع المغربي يطبع مع العنف اللفظي دون أن يدري؟ مجتمع

agadir24 – أكادير24

تزايدت مظاهر الإساءة اللفظية في المجتمع المغربي بشكل يبعث على القلق، وأصبحت كلمات السب والقذف والسخرية الجارحة جزءًا مألوفًا من المشهد العام، سواء في الشارع أو في وسائل الإعلام أو على منصات التواصل الاجتماعي، دون أن تلقى الاستهجان الذي كانت تثيره في السابق.

ما كان يُعد سلوكًا معزولًا وخارجًا عن المألوف، أصبح يُستهلك اليوم كأنّه “طبيعي”، بل ويُروّج له أحيانًا تحت مسمى الحرية أو الفكاهة أو الجرأة.

هذه الظاهرة ليست مجرد انحراف لغوي أو أخلاقي عابر، بل تحمل في طياتها خطرًا حقيقيًا يهدد النسيج القيمي للمجتمع، لأنها تُطبع للعنف وتُجرد الكلمة من مسؤوليتها. فالإساءة اللفظية ليست ترفًا لغويًا، بل شكل من أشكال العنف الرمزي الذي يهدم الاحترام، ويزرع الحقد، ويُقصي ثقافة الحوار، خاصة حين تنتقل إلى الأجيال الناشئة التي تلتقطها بسرعة وتعيد إنتاجها باندفاع.

الأخطر أن هذا التطبيع لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد إلى بعض وسائل الإعلام التي تسوّق محتوى منحطًا، يتغذى على الشتائم والمواقف المثيرة، بدعوى كسب نسب المشاهدة والتفاعل. حتى بعض “المؤثرين” تحولوا إلى مصدر دائم للإساءة المقنّعة في شكل “ترند”، دون رقابة أو حدود، ما يعكس خللاً في منظومة التوجيه الثقافي والإعلامي. الصمت تجاه هذا الانحدار لم يعد موقفًا حياديًا، بل مشاركة سلبية في تعميمه، بل وتطبيعه وجعله مقبولًا اجتماعياً.

ما يحتاجه المغرب اليوم ليس فقط قوانين زجرية، بل يقظة جماعية تبدأ من الأسرة والمدرسة والمنبر الإعلامي، مرورًا بالمؤسسات الثقافية والتربوية، لوضع حد لهذا الانهيار الهادئ. يجب أن نعيد للكلمة هيبتها، ونفصل بين التعبير الحر والإساءة الممنهجة، وأن نسترجع المعنى الحقيقي لاحترام الآخر، لأن المجتمعات لا تسقط فقط بالقنابل، بل بالكلمات أيضًا.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً