جيل بلا بوصلة… ومسؤولية من؟

مجتمع

عبدالله بن عيسى

لم تكن الأحداث الأخيرة التي عرفتها بعض مدن المغرب حادثًا عابرًا، بل هي جرس إنذار صريح. فحين تتخلى الأحزاب السياسية عن مهمتها الدستورية في تأطير الشباب، ويتراجع دور جزء من المجتمع المدني في القيام بواجبه التشاركي، يصبح الفراغ سيد الميدان، وتملؤه خوارزميات المنصات التي لا تعترف إلا بالانفعال اللحظي والإثارة السريعة.

الدستور المغربي واضح… الأحزاب مدعوة لتكوين المواطنات والمواطنين سياسيًا، والمجتمع المدني مطالب بالمرافعة والمشاركة. لكن الواقع بيّن أن اللغة الحزبية والجمعوية بقيت حبيسة القاعات المغلقة، في وقتٍ انتقل فيه جيل كامل إلى فضاءات رقمية تشكّل له اليوم مصدرًا للهوية والمعلومة والترفيه. وهكذا نشأ جيل يتعلّم المجال العام من مقاطع قصيرة لا تشرح حقوقه ولا واجباته ولا عواقب أفعاله.

ما وقع من شغب ليس دليلًا على “شرّ” جيل التيك توك، بل نتيجة طبيعية لفراغ التأطير. الشباب الذين غاب عنهم معنى السياسة وقنوات الوساطة الشرعية لجأوا إلى أقرب منفذ، فكانت الفوضى. ولو توفرت لهم منصات مشاركة حيّة، ونوادٍ شبابية، وبرامج حوارية جاذبة، لكانت الطاقة نفسها مصدر إبداع لا أداة تخريب.

المطلوب اليوم اعتراف صريح… لقد تأخرنا في تحديث أدوات التأطير السياسي والجمعوي، وتركنا الشباب يتربون في فراغ مدني، ورأينا العواقب. لكن الاعتراف بداية الحل، لا نهايته.

إنقاذ الموقف يمر عبر ثلاث ركائز… المعنى الذي يشرح للشباب دور القوانين وطرق تغييرها سلميًا، المهارة التي تدرّبهم على أدوات المشاركة، والمسار الذي يضع أمامهم خطوات عملية من مبادرة صغيرة إلى أثر ملموس. من دون هذه الركائز، سيواصل الفراغ إغراءهم بمشاهد قصيرة تثير الغضب ولا تقدّم الحل.

الأحزاب مطالَبة اليوم بفتح فروع حيّة ولغة تواصلية جديدة، والجمعيات مدعوة إلى تحويل أنشطتها إلى ورشات مهارات لا شعارات، والإعلام العمومي أمامه مسؤولية تبسيط القوانين والحقوق بلغة قريبة من الشباب.

جيل “التيك توك” هو نفسه من سيقود غدًا مؤسسات الدولة والمجتمع. فإذا تركناه يسبح في الظلام، فالظلام مسؤوليتنا. أما إذا قدّمنا له الخريطة والمصباح، فسيكون الضوء مكسبًا للجميع.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً