تندوف… جرحٌ مفتوح في سجل حقوق الإنسان: قراءة تحليلية في ضوء تقارير أممية ودولية

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

مع حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان يعود إلى الواجهة ملفّ مخيمات تندوف في جنوب-غرب الجزائر، بوصفه أحد أكثر الملفات تعقيدًا وإثارة للقلق في شمال إفريقيا. ففي هذه البقعة المعزولة، التي تخضع لسيطرة جبهة “البوليساريو” المسلحة وبتواطؤ وثيق من السلطات الجزائرية، تستمر انتهاكات جسيمة وممنهجة للحقوق الأساسية لعشرات الآلاف من الصحراويين، في غياب أي رقابة دولية فعّالة أو شفافية من البلد المضيف.

  • إدانة أممية متجدّدة: انتهاكات ممنهجة وتدهور إنساني خطير

جاء التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ليعيد تسليط الضوء على الوضع المقلق داخل مخيمات تندوف. فقد أكد التقرير استمرار الممارسات القمعية والتضييق على حرية التعبير والتنقل، إضافة إلى غياب الولوج إلى العدالة، وهي ممارسات خلقت بيئة تُفاقم هشاشة السكان وتُعمّق انعدام الأمن الغذائي الذي سبق أن نبّهت إليه مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
ويكشف التقرير الأممي عن مسؤولية مشتركة بين “البوليساريو” والسلطات الجزائرية، سواء عبر التواطؤ أو غضّ الطرف عن الانتهاكات، أو من خلال استمرار رفض الجزائر السماح بإجراء إحصاء مستقل للسكان، في خرق واضح لالتزاماتها الدولية تجاه اللاجئين. ويؤدي هذا الرفض إلى تكريس حالة التعتيم والتلاعب بالأرقام، بما يسهّل اختلاس المساعدات الإنسانية وإعادة توجيهها بعيدًا عن مستحقيها.
كما أشار غوتيريش إلى الرسالة التي وجّهها المغرب للمفوضية السامية في 26 يونيو 2025، والتي تتضمن توثيقًا موسعًا لمختلف الانتهاكات، بما فيها تجنيد الأطفال واستغلال المعونات لأغراض دعائية وسياسية.

  • عبودية حديثة أم قمع اجتماعي منظم؟ منظمات دولية تدق ناقوس الخطر

في جنيف، خلال الدورة الـ60 لمجلس حقوق الإنسان، قدّمت منظمات غير حكومية شهادات صادمة حول استمرار ممارسات تشبه العبودية الوراثية داخل المخيمات. فقد تحدثت الخبيرة القانونية لوسيا فيريرا بيريا عن حالة الشاب الصحراوي محمد سالم، الذي مُنع من الزواج بسبب أصله العائلي، في مشهد يعكس استمرار أشكال من التمييز العنصري والانقسامات القبلية، والتي تستخدمها “البوليساريو” كآلية للضبط والسيطرة الاجتماعية.
وقد طالبت هذه المنظمات بفتح تحقيق دولي مستقل حول هذه الممارسات، معتبرة أنها تشكل انتهاكًا صارخًا للكرامة الإنسانية وخرقًا للاتفاقيات الدولية المناهضة للرق.
شهادات أخرى قدّمها ناشطون و”لاجئون” سابقون، تحدثت عن تمييز ممنهج يمارس ضد فئات معينة داخل المخيمات، وهو ما ينسجم مع السياسة العامة للجبهة القائمة على إخضاع السكان ومنع أي مساحة للنقد أو الانفصال عن السلطة المسيطرة.

  • تقرير “أفريكا ووتش”… تعذيب، اختطاف، وإخفاء قسري

من جهتها، بعثت المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان تقريرًا مفصلاً إلى الخارجية الأمريكية، تضمّن معطيات خطيرة حول الاختطافات المتكررة والقتل خارج نطاق القانون، إضافة إلى وجود مراكز اعتقال سرية داخل المخيمات.
وأوضح التقرير أن العديد من الضحايا استُهدفوا لمجرد انتقادهم قيادات “البوليساريو” أو مطالبتهم باحترام الاتفاقيات الدولية. كما أكد أن الجزائر تمتنع عن تقديم أي معلومات حول مصير المختفين، في ظل سياق سياسي داخلي يجرّم التواصل مع الآليات الأممية عبر تفعيل “ميثاق السلم والمصالحة”.
الطابع المنهجي لهذه الانتهاكات، حسب التقرير، يعكس نمطًا من القمع المقصود يهدف إلى إسكات المعارضين وترهيب السكان. كذلك سجّل التقرير حالات احتجاز نساء صحراويات ومنعهن من العودة إلى بلدانهن الأصلية بعد الزيارات العائلية، في ممارسات تندرج ضمن الاتجار بالبشر وضمن شبكة أوسع تشمل كذلك تجارة المخدرات، مستفيدة من هشاشة المنطقة الحدودية.

  • اليوم العالمي لحقوق الإنسان… مناسبة للتذكير بسؤال العدالة

في هذا اليوم العالمي، يتأكد أن مخيمات تندوف ليست مجرد حالة إنسانية صعبة، بل أزمة حقوقية عميقة تتطلب تدخلاً دوليًا عاجلاً لحماية آلاف المدنيين الذين يعيشون خارج إطار القانون الدولي.
فما بين التجويع الممنهج، القمع السياسي، التعذيب، الإخفاء القسري، الاتجار بالبشر، والتمييز الاجتماعي، تتراكم الانتهاكات دون محاسبة أو شفافية. ويظل المفتاح الأساسي لأي حل هو فتح المخيمات أمام الآليات الأممية وتمكين السكان من حقهم الطبيعي في حرية التنقل والاختيار.

  • مسؤولية دولية مؤجلة… وحقوق مغتصبة

إن الصمت الدولي، أو الاكتفاء بالتحذيرات اللفظية، لم يعد كافيًا. فمخيمات تندوف تمثل منطقة خارج الشرعية الدولية، تُمارس فيها سلطات غير معترف بها كل أشكال السيطرة على سكان محرومين من أبسط حقوقهم.
وبينما يحتفل العالم بحقوق الإنسان، يظل آلاف الصحراويين في تندوف محرومين من حقهم الأول والأساسي: الحرية.