في الوقت الذي يشهد فيه ملف الصحراء المغربية تحولًا تاريخيًا بعد القرار الأممي الأخير الذي وصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية بأنها الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق، تطفو على السطح موجة غير مسبوقة من الأنشطة الإعلامية والدعائية القادمة من الجزائر ومنابر ما يسمى بجبهة البوليساريو. مهرجانات ثقافية، معارض حرفية، فعاليات أمنية، مشاركة في اجتماعات قارية… كلها تُسَوَّق تحت اسم «الجمهورية الصحراوية»، في محاولة واضحة لخلق صورة مصطنعة لكيان لا وجود قانوني له على أرض الواقع.
- بروباغندا بوجه ثقافي… ولكن الهدف سياسي
خلال الأيام الماضية، عجّت وكالة «واص» التابعة للبوليساريو عفوا التابعة للنظام العسكري الجزائري بتقارير من قبيل مشاركة «الجمهورية الصحراوية» في مهرجان السياحة الصحراوية بولاية تيميمون الجزائرية، مصحوبة بصور لأجنحة حرفية تحت لافتات تحمل اسم «الصناعة التقليدية الصحراوية». وعلى المنوال ذاته، رُوّج لتمثيل «كيان» البوليساريو في اجتماع أفريقي للتعاون الشرطي «أفريبول» بالجزائر العاصمة.
هذه الأنشطة ليست عفوية ولا ثقافية بريئة، بل تشكّل جزءًا من حملة منظمة تهدف إلى إيهام الرأي العام المحلي والدولي بأن هناك كيانًا قائمًا، يمتلك مؤسسات وثقافة وتراثًا مستقلًا. إنها محاولة وُلدت كردّ فعل سريع على الانتكاسة الدبلوماسية الأخيرة التي تلقتها الجبهة وحاضنتها الإقليمية بعد الاعتراف الدولي المتزايد بالمقترح المغربي.
- لماذا الآن؟ توقيت يفضح الدافع الحقيقي
التزامن بين صدور القرار الأممي وبين هذا السيل من الأنشطة ليس مصادفة. فالنظام العسكري الجزائري والبوليساريو تدركان أن موقف المجتمع الدولي بات يميل بشكل واضح نحو الحل السياسي الواقعي تحت السيادة المغربية. وفي مقابل خسارة الحجة القانونية والسياسية، تلجأ الدعاية الانفصالية إلى معركة الرموز والتمثيل الثقافي.
فالذي لا يمكن الحصول عليه عبر مجلس الأمن، يحاولون تعويضه عبر مهرجان تقليدي. والذي لا يحظى باعتراف دولة واحدة مؤثرة، يسعون لإظهاره عبر مشاركة شكلية في اجتماع قاري.
إنه تضخيم إعلامي يهدف إلى صناعة صورة لشيء غير موجود: دولة بلا أرض، وبلا سيادة، وبلا مؤسسات حقيقية، تحاول الظهور كفاعل «طبيعي» في محافل محلية وصورية.
- بين الحقيقة والدعاية: الواقع لا يمكن تزويره
على الرغم من هذه الجهود الدعائية، هناك حقائق ثابتة لا يمكن القفز فوقها:
- لا وجود لاعتراف أممي أو دولي بالجمهورية المزعومة.
- الغالبية الساحقة من الدول سحبت اعترافها السابق أو أعلنت دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
- سكان المخيمات يعيشون في ظروف احتجازية، محرومون من حرية التنقل والقرار.
- الكيان المزعوم لا يمارس أي سلطة فعلية على الأرض، ولا يدير شؤون أي مواطن داخل التراب المغربي.
المهرجانات لا تصنع دولة، والأجنحة الحرفية لا تمنح شرعية، واللافتات المعلقة داخل قاعات مغلقة في الجزائر لا تغيّر شيئًا من الواقع القانوني والسياسي.
- دعوة المغرب لأبنائه… وغياب أي رد من قادة المخيمات
جدير بالذكر أن المغرب، عقب القرار الأممي الأخير، جدّد دعوته لأبنائه في تندوف للعودة إلى الوطن والاستفادة من ضمانات الاندماج والتنمية وحقوق المواطنة الكاملة. لكن قيادة البوليساريو و صنيعتها قابلت ذلك بصمت، لأنها ببساطة لا تستطيع توفير بديل، ولا قدرة لها على تبرير استمرار احتجاز آلاف الأسر لعقود في ظروف مأساوية.
بدل أن تناقش القرار الأممي أو عملية السلام، اختارت الجبهة أن تختبئ خلف خيمة حرفية في مهرجان أو كرسي في قاعة اجتماعات أي شيء عدا مواجهة السؤال الجوهري:
إلى متى سيظل سكان المخيمات رهائن لمشروع سياسي فاشل؟
- الواقع ينتصر… والبروباغندا لن تغيّر شيئًا
الحركة الانفصالية تعيش اليوم واحدة من أصعب لحظاتها، لكونها فقدت ورقة الشرعية الدولية. لهذا تلجأ إلى أي مساحة ممكنة لإعادة تسويق نفسها سياحة، ثقافة، أمن، تعاون شرطي لكن كل تلك المحاولات تظل حبرًا على ورق، وصورًا بلا تأثير.
المغرب اليوم أقوى دبلوماسيًا، والقرارات الدولية تسير في اتجاه دعم الحل الواقعي. أما البروباغندا، فهي أداة العاجزين عن التأثير في الواقع، فتحوّلوا إلى مجرّد ممثلين في مسرحية فقدت جمهورها.
