بوعمامة يدق ناقوس “الخطر” : حين صار الوطن ترندًا والجزائر تحتمي بالمؤثرين

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في زمنٍ صار فيه المنطق ترفًا، والجدّية عملة نادرة، قررت السلطة الجزائرية أن تخوض معاركها الكبرى عبر المؤثرين. لم تعد البيانات الدبلوماسية ولا اللقاءات الرسمية سلاح الدولة، بل “اللايف” و”الريلز” و”هاشتاغات” جاهزة للمعارك الافتراضية.
هكذا خرج وزير الاتصال زهير بوعمامة ليُعلن، بكل ما في الخطابة من جدية كوميدية، أن المؤثرين هم “خط الدفاع المتقدم عن الجزائر”. جملة تُقال وكأنها إعلان تعبئة وطنية، بينما الواقع لا يحتاج إلى تحليل: الدولة التي فشلت في الدفاع عن مواقفها السياسية، قررت أن تهاجم بالكوميديا.

  • المؤثرون كخط دفاع وهمي

يبدو أن الجزائر الرسمية، بعد إخفاقاتها الدبلوماسية المدوية، قررت أن تعوّض عجزها عن إقناع العالم، بتجييش صُنّاع المحتوى لإقناع نفسها.
منذ أن انغلقت الأبواب في وجه خطابها الخارجي، وانهارت قدرتها على مجاراة الجار المغربي في الذكاء الدبلوماسي، لجأت السلطة إلى آخر خط دفاع متاح: المؤثرون الوطنيون!
أولئك الذين بالكاد يُجيد بعضهم تركيب جملة مفيدة أمام الكاميرا، صاروا فجأة “جنود المعركة الإعلامية ذات الطابع الأمني والاستراتيجي”.
أي معركة بالضبط
معركة الشرف الوطني أم معركة الستر السياسي؟
الحقيقة أن المعركة الوحيدة الواضحة هي معركة التعويض الرمزي بعد أن تحولت الدبلوماسية الجزائرية إلى ما يشبه الموظف المتقاعد الذي لا يُستدعى إلا في المناسبات الرسمية.

  • الضجيج الرقمي بدل السياسة

ولأن الرباط، بحركتها الدبلوماسية النشيطة واتزان خطابها الخارجي، وضعت الجزائر في زاوية الصمت، قررت هذه الأخيرة أن تُحدث ضجيجًا يُغطي الفراغ.
فلا بيانات خارجية تُقنع، ولا مواقف تُحترم، ولا رؤية تُفهم؛ فقط موجات رقمية وهاشتاغات وطنية تُطلق كلما عجزت البيانات الرسمية عن الرد.
حتى أصبحت السياسة الخارجية الجزائرية تُدار بمنطق:
“إذا لم نهزمهم في الأمم
المتحدة… فلنهزمهم على تيك توك!”
بينما تُغرد الدبلوماسية المغربية بثقة وهدوء، تُغرق الجزائر فضاءها الإعلامي بخطابات هستيرية ومقاطع فيديو تمجّد “الجزائر المستهدفة” و“المغرب المتآمر”.
لا شيء أسهل من تحويل الهزيمة إلى بطولة، حين يملك المرء كتيبة من المؤثرين لا يحتاجون سوى “سيناريو من الوزارة” و”إضاءة جيدة”.
الوزير بوعمامة تحدّث عن “خط الدفاع المتقدم”، لكنه نسي أن كل جيش (حقيقي أو افتراضي) يحتاج إلى قيادة تعرف وجهتها. أما في هذه الحالة، فالوجهة ليست الدفاع عن الجزائر، بل مهاجمة المغرب لملء فراغ العجز.

  • كبسوا كبسوا… الوطن في خطر!

وهكذا، حين فشلت الدبلوماسية في كسب الاحترام، قررت السلطة أن تكسب المشاهدات. وحين ضاعت البوصلة السياسية، جرى تعويضها ببوصلة “الترند”.
النتيجة؟ وطنٌ عظيم يُستعمل كخلفية لمقاطع دعائية قصيرة، ودولةٌ تظن أن معارك السيادة تُدار بالهاتف المحمول.
ربما سيأتي يوم نرى فيه الوزير نفسه يظهر في بث مباشر قائلاً:
“إخواني المتابعين… لا
تنسوا الفولو ولا اللايك — كبسوا كبسوا وشاركوا الفيديو يا أبطال،
فالوطن في خطر!”
أو بصيغةٍ تذكّر المؤثرين:
“شاركونا هاشتاغ

الجزائر_تنتصر وخلّوا العالم يسمع صوتنا!”

أما الخطر الحقيقي، فليس في الهجمات السيبرانية كما يزعمون، بل في تحويل السياسة إلى محتوى، والدولة إلى عرض، والوطن إلى ترند.